تحتفل جريدة «صوت الأزهر» بصدور عددها رقم «ألف». لم أتابع منها سوى الأعداد الخمسة والسبعين الأخيرة، التى صدرت فى ظل رئاسة تحرير الكاتب الصحفى أحمد الصاوى. والسبب أننى كنت أجدها فى البداية مطبوعة دينية صرف، تفتقر إلى المعالجة الصحفية الشيقة للقضايا، وتخاطب جمهورها بشكل حصرى، وهذا حقها بالمناسبة، لكن تأثيرها يزداد إذا خرجت إلى فضاءات أوسع، ولم تكتف فقط بالمتابعين اللصقين لها. فى أعدادها الأخيرة قدمت «صوت الأزهر» خلطة صحفية مختلفة، تستحق أن تتابع، ونتوقف أمامها، فقد سعت إلى إبراز مفاهيم جديدة مثل المواطنة، الحوار، التجديد، واشتبكت مع الأحداث بالخبر والرأى، واستكتبت كتابا خارج محيط الأزهر ومشايخهم، ممن لهم توجهات ثقافية وسياسية متنوعة، وبعضهم من المسيحيين، فى إشارة إلى أن الشأن العام متسع لكل مظاهر التنوع المصرى. أن تحتفل مثلا مجلة «الكرازة» لسان حال الكنيسة القبطية بعيد الميلاد فهذا أمر طبيعى، ولكن أن تحتفل جريدة «صوت الأزهر» بهذه المناسبة فهذه نقلة نوعية مهمة تدعم ثقافة التعايش التى نتطلع إليها. ولا يمكن أن نغفل الأعداد الخاصة التى تتابعت فى أعقاب أحداث الإرهاب التى طالت الكنائس، والمصلين بها، فى تأكيد حقيقى على الرفض، والمساندة، واعتبار الأمر شأنا مصريا، يمس المسلمين مثلما يطول المسيحيين.
أعرف أن هناك فى المجتمع من يرى فى الأمر مجرد «تجميل»، لا أكثر، وهو نفس الرأى الذى يردده البعض عندما يدعو الأزهر إلى مؤتمرات إقليمية ودولية يستضيف فيها مسلمين ومسيحيين، ويطرح قضايا تتعلق بالمواطنة، ومواجهة الغلو والتطرف، والتأكيد على قيم التعايش، ويحضرها المئات من طلاب وطالبات جامعة الأزهر، خاصة ممن يدرسون الدراسات الدينية. سمعت هذا الكلام من كثيرين، وأرى فيه «قسوة» وعدم رغبة فى تشجيع الاتجاهات الإعلامية والثقافية الجديدة لدى المؤسسة الدينية. وهل الرسائل التى تحملها صحيفة أو مؤتمر لا تؤثر فى قطاعات واسعة حتى إن افترضنا جدلا أن غاية من يقوم بها هو «التجمل» مثلما يقول البعض، ولماذا لا نرصد التطورات الجديدة، ونشجعها، ونتوقف عن التفتيش فى نوايا أصحابها، لأنهم غير مضطرين إلى ذلك، ولا أجد دافعا لدى الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب فى الدفع بروح التجديد، ونبذ التطرف، وتشجيع ثقافة المواطنة سوى إيمانه الشخصى بذلك، وحرصه عليه، رغم أنه يعلم أن هناك أصحاب اتجاهات محافظة فى الوسط الدينى لا يرتاحون إلى ذلك، وأصحاب اتجاهات رافضة فى الوسط الثقافى لا يثمنون ما يفعله.
أعرف جيدا أن الواقع ليس ورديا، وهناك الكثير ينبغى أن يقوم به الأزهر فى مواجهة التطرف، وتطوير التعليم الدينى، وبناء ثقافة مدنية، ولكنى أعرف أيضا أن ما يفعله الأزهر الأن يمثل تحولا جديدا، لم يقدم عليه أى من شيوخ الأزهر السابقين، وليس من الانصاف النقد على طول الخط، كما أنه ليس من الصواب التصفيق الدائم، فقط نحتاج إلى بعض الموضوعية التى تتيح لنا النظرة بإيجابية للتحركات، والإصدارات، والفعاليات التى قام بها الأزهر خلال السنوات القليلة الماضية، نشجع ما نراه ايجابيا، ونتحاور مع هذه المؤسسة ذات الثقل محليا ودوليا فيما نراه غائبا، لأن التغيير ليس بالأمر الهين، خاصة إذا أردناه تغييرا حقيقيا.