طوال عام أو أكثر علمونا وهم تحت الركام معنى الحياة والحب، بل عرفونا أن الحياة ليست حقيبة يد أو سيارة فارهة أو وجبة دسمة فى مطعم فاخر.. كل ذلك علمونا إياه، بل أكثر منه عرفنا أن الحياة لا تنتهى إذا امتنعنا عن شرب تلك القهوة الشهيرة عالميا أو ذاك الهمبرجر أو ذاك المشروب.. أو حتى رقائق البطاطس المحمرة أو غيرها وغيرها وغيرها.. حذاء هنا وفستان هناك وكثير من الأكل والشرب كثير منه مما يدعو للغثيان لو فكر المرء مرة ببعض مما أعطاه الخالق من عقل!!!
• • •
يبدو الأمر شديد الخفة، بل التفاهة وأنتم تنفضون عنكم موت وقتل وحطام وركام أكثر من عام من حرب الإبادة التى وقفتم أنتم لها وحدكم رغم مساندة المقاومين فى لبنان واليمن، فيما العالم وقف يتفرج على إبادتكم لحظة بلحظة والعدسات تتابع وترصد وتصور وتسجل رصاصة فى رأس الطفل محمد ذى العشرة أعوام ثم عشرات الرصاصات التى تخترق جسده الطرى لتمزقه والموت أكثر حضورا من الحياة يطارد الأطفال والنساء والرجال وكل حياة هناك.. والعالم شديد الحساسية يراقب ويتابع علينا أن نعترف أن عالما بعيدا كان أكثر رحمة ورفقة وتضامنا من القريب الغارق فى همه وخوفه ووجعه.. الخوف ذاك المرض، بل الوباء المزمن الذى استشرى فى كثير من عظامنا حتى أصبح جزءا أساسيا من حياتنا، فكثيرون منا يخافون من الخوف!!! أليس الأمر مرعبا حتى عندما يزول مسبب الخوف يبقى الخوف هو الأكثر حضورا إلا عند أهلنا فى غزة؟! فهم من قاموا بكسره ودفنه لأجل غير مسمى.
• • •
من تحت المشهد المرعب تخرجون أنتم أو من تبقى منكم تبعثون كثيرا من الأمل والحب رغم الدمار والجوع والموت والعطش الذى عشتموه وعاشه أهلكم، تكتبون دون أن تخطوا حرفا وتتحدثون دون أن تنطقوا بكلمة وتمضون بعيدا ترسمون عالما يُعلم الكون معنى الحق والعدالة والإنسانية فى زمن صار بعض البشر يثير المخاوف من أنها نهاية البشرية والكذبة الكبرى بأن هناك قيما وحقوقا عالمية وهناك دول وحكومات وشعوب تدافع عنها!! فجأة نسفت كلها، بل وأصبحت موضوعا للتهكم والسخرية من كثيرين على وسائل التواصل الاجتماعى.. سقط القناع، بل كل الأقنعة أو ربما هى الأكاذيب وبقى الموت هو الأكثر حقيقة وحضورا من الحياة التى يقولون كلهم إنهم يدافعون عنها ويعملون من أجلها ويعاقبون ويكافئون ويحبون ويكرهون ويقتربون ويبتعدون كله من أجلها أى من أجل العدالة فى الحياة وكذبتهم لا تزال بل لازال بعضنا بل كثيرون منا يطرحون السؤال «أين حقوق الإنسان؟؟»، ويكملون بسلسلة من الأسئلة كلها مرتبطة بقوانين وتشريعات ومنظمات سميت دولية وهى فى مجملها، ربما بدأت بكثير من النوايا الحسنة.. ربما، ولكنها فى مجملها انتهت لتكون جزءا من ذاك النظام الكونى غير العادل، بل النظام الكونى الظالم حد الإبادة!!!
• • •
يرفعون الأصابع والأصوات عاليا منددين بالظلم هنا فيما يتجاهلون الظالم الجار هناك، ويكثرون من التهديد والوعيد، بل كرسوا لأنفسهم وضع مسطرة للعقاب والثواب هم نفسهم الذين فى لحظة بل أقل منها يحولون الظالم إلى بطل قومى أو عالمى. يرسمون البشر كما يفعلون بالممثلين فى أفلام هوليوود، كلها أفلام وكلنا مجرد كمبارس أو ممثلين غير أساسيين فى التمثيلية الدولية إلا أهل غزة ولبنان واليمن الذين علموهم أن هناك فى حظيرة العبيد بعض الأحرار جدا.. نعم هناك أحرار فى غزة راحوا فى الأيام الماضية يصوغون قوانين وتشريعات ومفاهيم حقيقية للعدالة والإنسانية ويعلمون البشر فن أن نكون أعداء بعدل وإنسانية، نعم أن تعادى من استعمر أرضك وبيتك وأهلك وتبقى على إنسانيتك، ليتهم يعلموننا جميعا بل ليت ما فعلوه يُدرس لأطفالنا فى مدارس لا تعمل إلا على تكريس العبودية والظلم!!