متضامنون أبدًا - بسمة عبد العزيز - بوابة الشروق
الجمعة 27 ديسمبر 2024 12:29 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

متضامنون أبدًا

نشر فى : الجمعة 26 فبراير 2016 - 11:00 م | آخر تحديث : الجمعة 26 فبراير 2016 - 11:00 م
أكثر ما صرنا نفعله على مدى الأشهر الماضية هو التضامن. تضامن مع أفراد وكيانات؛ نعرف البعض ونسمع عن البعض الآخر ولا نملك فى الأوقات كلها إلا أن نعلن التضامن، ضد القمع والقهر والجنون. نأمل من خلال تضامننا وإعلاننا المساندة أن يصبح المتضامن معه فى حال أفضل. نتضامن كى يطلق سراح أحد المعتقلين دون جريرة، أو يسمح بدخول الدواء لمريض فى محبسه، أو يترك ممنوعا من السفر لحال سبيله، أو يأتى ممنوعا من دخول الوطن فى زيارة لأهله وأصحابه.

تضامنا ولا نزال مع شابة وزوجها حاولا التخفيف من معاناة الأطفال الذين يقطنون الشوارع وينسحقون فيها، فصار مقرهما السجن، وتضامنا مع من صدق خدعة تجديد الخطاب الدينى فصار متهما بالازدراء وتبع سالفيه، ومع من ترك الواقع المزرى لأهله واختار الخيال ومع ذلك لم يسلم من الملاحقة والتنكيل. تآزر جمعٌ كبيرٌ من الناس مع طبيبات النديم اللاتى كرسن أيامهن للتضامن مع ضحايا العنف والتعذيب، فصرن هن أنفسهن مهددات، وغدا عملهن على المحك، وسلط عليه سيف السلطة وسوط زبانيتها.

***

أحيانا ما يجدى التضامن ويفلح المسعى، لكن الفلاح هنا استثناءٌ لا قاعدة. لا يحب الحاكمون فى أوطاننا ذاك الشعور بأن ثمة ضغطا يمارس عليهم، وبأنه قد يكون مؤثرا، وأنهم مضطرون إلى الاستجابة له وأحيانا إلى التنازل والخضوع لإرادة المحكومين. حين يعلن الناس تضامنهم مع قضية ما فى بلاد الغرب، ويجهر الرأى العام بتبنيه لها ودفاعه عنها، يصبح للأمر وزنٌ وقيمة. يعيد الساسة وصناع القرار مراجعة مواقفهم، وقد تعدل تشريعات وتصك قوانين، وتغدو المسألة محل أخذ ورد ونقاش. لا يجرؤ مسئول على الإشاحة بوجهه وإغماض عينيه وسد أذنيه بالصمغ عن الأصوات المتضامنة.

رأينا قضية الصبى السودانى الذى اعتقلته السلطات الأمريكية خوفا من ساعة قام بتصنيعها وتصورت معلمته أنها قنبلة. انبرت الصحف تدافع عنه وانتفض المجتمع لإغاثته ورد كرامته واهتزت الدنيا ولم تستقر وتهدأ إلا بعد أن استجاب رئيس البلاد ووجه للصبى دعوة للقائه، وأنب المخطئين. استضافه فى البيت الأبيض تعويضا عما جرى، وتبارت المؤسسات العلمية تعرض عليه المنح تقديرا لعمله وإنجازه. أثمر التضامن ثمرة إيجابية يصعب إنكارها. لا نرى لتضامننا فى غالبية المرات نتيجة. حتى إزاء شاب طال حبسه الاحتياطى بتهمة ارتداء تى شيرت حتى تجاوز العامين. رفعنا أصواتنا، وأصواتا أخرى من مختلف أنحاء العالم، دون أن تحظى بأدنى استجابة، وكأننا جميعا فى نظر الحاكم بأمره محض سراب.

نتضامن ثم نتضامن حتى ليصبح الأمر طقسا يوميا نمارسه بآلية ورتابة. نتضامن صحوا ومناما، وقوفا وقعودا، نتضامن متحمسين ومتبلدين، أداء للواجب وقضاء لدين وأملا فى تغيير ولو بسيط.

***

تضامننا فى العادة فعلٌ معنوي، وقليلا ما نترجمه إلى حركة مادية مؤثرة. قد يكون بالقول والكلمة، باجتماع، مؤتمر، أو بإصدار بيان وجمع توقيعات. ربما يبدأ بالكتابة على مواقع التواصل الاجتماعية، وقد ينتهى إذا ما تصاعدت الأمور واشتدت بوقفة للاحتجاج وتلك الأخيرة مسألة صارت بمرور الوقت عزيزة. كثيرا ما يغير المتواصلون صورهم الشخصية على صفحات الفيس بوك ويستبدلون بها صورة من وقع عليه ظلمٌ واحتاج إلى المساندة والمساعدة. صارت هذه الوسيلة شائعة، لكن من يتبنونها لم يعودوا الآن قادرين على ملاحقة الأحداث ومواكبتها، ففى كل يوم ضحية جديدة من ضحايا نظام فاقد للبصر والبصيرة، يلوح بعصاه الثقيلة ذات اليمين وذات اليسار، فيصيب من يصيب دون عقل ولا منطق. تتبدل الصور يوما بعد يوم، وساعة بعد ساعة، وغالبا ما تصبح مواصلة الحذف والإحلال ضربا من ضروب المستحيل، فضلا عن فقدان الفكرة لمعناها.

أعرف أشخاصا كثيرين عز عليهم أن يضعوا على صفحاتهم صور أصدقاء أو صديقات تعرضوا إلى انتهاكات مفزعة، خوفا من المصير، فقد بدا أن كل من ظهرت صورته ثابتة على الصفحات لم يفلت من مصيبته. صارت تلك الوسيلة مبعثا على التشاؤم، يتجنبها البعض مفضلا وسائل أخرى أقل ارتباطا بمآلات محزنة وأزمات تغدو مزمنة.

***

أظن أن بنا حاجة ماسة إلى التفكير فى أشكال جديدة للتضامن، وفى خطوات تعيد إليه ما يفترض من قيمة ومكانة وتأثير. بنا حاجة إلى تضييق المساحة الواسعة بين ما تصنعه أصواتنا وما تدركه أصوات الآخرين فى شتى البقاع من مكاسب. أيامنا القادمة تبدو محملة بمزيد من حملات التضامن، لكنا لا نريدها حتما ضجيجا بلا طحن
بسمة عبد العزيز طبيبة وكاتبة
التعليقات