مستقبل الدولة فى العالم العربى - صحافة عربية - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 7:37 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مستقبل الدولة فى العالم العربى

نشر فى : السبت 26 مارس 2016 - 9:50 م | آخر تحديث : السبت 26 مارس 2016 - 9:50 م
حتى اللحظة ولسنوات مقبلة، سيبقى فى ذهن الكثير من النخب العربية أن الربيع العربى كان مؤامرة كونية ضد العرب، لكن قلما يسأل السؤال: ما الذى أدى بكتل شعبية عربية كبيرة مكونة أساسا من الشباب تلبية نداء الخروج للشوارع؟ أزعم أنه مادام الوعى لم يعم بخصوص العوامل الداخلية الاقتصادية والسياسية، بل والاجتماعية المؤدية إلى ثورات الربيع العربى من شاكلة تضاعف أعداد السكان غير المسبوق فى التاريخ العربى، وتغول الأمن وتراجع العدالة الاقتصادية والحقوقية وزيادة المركزية الرسمية وفرديتها وانتشار الفساد والامتيازات لدى النخب، فالربيع العربى كما عرفناه سيعود ثانية بعد زمن.

إن السعى الرسمى فى السنوات القليلة الماضية نحو سياسات ديدنها الأساسى الأمن والجيش والبيروقراطية الضخمة والسيطرة المركزية لن ينجح، وذلك بسبب تجاوز المجتمعات فكرة الدولة التى لا مكان للشعب فى قاموسها.

هذا الوضع يرشح النظام العربى للمزيد من عدم الاستقرار، فالضغوط السكانية والشعبية ستستمر على البيروقراطيات الحكومية المشلولة. وهذا يعنى الحاجة إلى دول عربية أقل تدخلا فى الاقتصاد والحياة والمجتمع. هذا الحراك لن يتوقف (حتى لو بدا أنه قد هدأ) مادامت الدولة تسيطر على المجتمع وتفتته قبليا وعشائريا ودينيا وطائفيا فى ظل تضخم الامتيازات الفئوية للأقلية.. أكانت عسكرية أم مدنية، ففى ظروف كهذه سيعاد إنتاج الشعور بالظلم والحاجة إلى الهجرة واللجوء، وستنتشر الحروب والنزاعات والتطرف والإرهاب. الدولة الفاشلة التى نرى تعبيراتها فى أكثر من 60 فى المائة من الدول العربية هى نتاج عملية تاريخية ازدادت كثافتها فى السنوات القليلة الماضية.

النخب العربية الرسمية التى تعى حجم أزمة الدولة وجدت الحل ــ حتى الآن ــ (فى ظل ظروف التراجع النفطى) من خلال أطروحات بيع القطاع العام إلى الخاص، وهذا يعنى عمليّا (فى ظل غياب الحريات والشفافية والبيئة التنافسية والعدالة وفصل السلطات) بيع القطاع العام لمصالح ضيقة، ولمنظومة مرتبطة بالنظام السياسى، وهذا بدوره سيشعر كتلا شعبية كبيرة بأنها تدفع ثمن الغلاء، وارتفاع تكاليف المعيشة والتضخم، وهبوط أسعار النفط وتردى التعليم والعلاج وتعثر الاقتصاد. السياسات التقشفية التى ستطرحها دول عربية قلما تتعامل مع الرأسمالية بصفتها نتاج عملية تنافسية فى المجتمع (تتطور خارج نطاق الحكومة والنظام السياسى) فى ظل نظام ضرائبى تصاعدى وحالة عدالة وفصل سلطات متفق عليها مجتمعيّا. إن محاولة نقل سياسات ثاتشر، رئيسة الوزراء البريطانية السابقة، ليست الحل، (وان كانت الفلسفة صائبة) فتلك السياسات وقعت فى بريطانيا حيث تسود دولة القوانين الراسخة وحيث المنافسة تسمح بالارتقاء، وحيث المجتمع فى مقدمة العملية السياسية، أما فى بلادنا فتتغير القوانين بين يوم وليلة، وهى خاضعة للمصالح والنفوذ والامتيازات. إن تطبيق إصلاحات مشوهة قلما تتعامل مع عمق المشكلة العربية ستكون من أسباب عودة الربيع العربى بعد زمن.

وبإمكان النظام العربى أن يمارس سياسة مختلفة، فيحسن البيئة القانونية ويبنى أجواء تحترم الحريات والرأى المستقل ثم يسعى نحو الشفافية والتنافس الحقيقى والديمقراطية. هذا يتطلب تنفيذ استراتيجية تخفف، على مراحل، من حجم الدولة فى ظل التخلص من الفساد، بما يسهم فى تمتين المجتمع وإطلاق المبادرة الخاصة ومبادرات الشباب. هذا يتطلب قبل كل شىء سياسة أكثر تركيزا على حوار مجتمعى واسع النطاق تشارك فيه جميع القوى الفاعلة أكانت فى السجون العربية أم خارجها أم فى المنافى أم فى الحكم. الأوطان بحاجة إلى المجتمعات، وبلا المجتمعات وممثليها ستستمر الدولة الفاشلة بالزحف على أغلب الأمكنة العربية. الربيع العربى الذى عبر عن نفسه فى 2010 ثم 2011 مثل مدرسة جديدة فى منطقتنا فى التغير السلمى، لكن فى المرة القادمة، وخاصة إن لم تنجح الأنظمة فى قيادة إصلاح متشعب غير مسبوق، ستكون الشعوب قد اكتسبت درجة أوضح من الخبرة والمعرفة والنضج.

الوسط ــ البحرين

شفيق الغبرا
التعليقات