جزء من اضطراب أى مشهد هو «خلط الأوراق»، بمعنى أن يكون ظاهر الناس فى الغالب غير باطنهم، وسلوكهم الجمعى تعبير عن مشاعر مطوية وليست أفكارا معلنة.
كشفت حكاية «الجزيرتين تيران وصنافير» مساحة غير قليلة من اللاعب بالأوراق. المعارضون جاءوا من دروب مختلفة. هناك من يؤمن بمصرية الجزيرتين، ويرى أن الاحتجاج على إعادتهما للسعودية ضرورة، وهناك من يتخذ من القضية تكأة لحسابات سياسية أخرى، سواء الرافضون للنظام (الإخوان المسلمين ومن شايعهم)، أو المحبطون من النظام (بعض المحسوبين على 30 يونيو ممن لم يحصلوا على مساحة حركة)، أو الغاضبون من النظام (وهى كتل شبابية لديها أسبابها، التى نتعاطف معها حينا، ونرى فيها عدم منطقية أحيانا). المؤيدون جاءوا أيضا من دروب مختلفة. هناك من يثق فى نزاهة ومصداقية النظام، وبالتالى يرى فى قراراته تجسيدا للمصلحة العامة، وصحة القرار، وهناك من يرى فى الحراك الرافض ثغرة فى جدار تأجيل السياسة وعودة التظاهرات، وبالتالى يسعى سريعا لإغلاقها، وهناك من يضمر رفضا وعداء للجماعات المحتجة، وبالتالى يتصدى لها فى هذا الميدان، مثلما يتصدى لها فى ميدان أخرى. ولا نستبعد من خلفية المشهد الصراع الممتد بين 25 يناير و 30 يونيو الذى يهدأ، ثم يشتعل على نحو دائم.
هكذا نجد أنفسنا أمام قضية عنوانا لاشتباك سياسى، لكنها بالنسبة لبعض المشتبكين ليست القضية الأساسية أو المحورية، بل هى جزء من حرب النقاط أو حرب المواقع التى يريد كل طرف أن يسجل فيها نقاطا فى مرمى الطرف الآخر. نبدو أمام نقيضين، كل طرف حسب موقعه، من يؤيد النظام يرى فى عمله كل الخير، ومن يتحفظ أو يعارض أو يتململ من النظام يرى فى فعلته كل الخطأ. ولا نستبعد كذلك من المواجهة تباين مواقف القوى السياسية، بما تحمله من تصورات سابقة، تجاه السعودية نفسها.
فى رأيى أن موقعة «تيران وصنافير»، سوف تتكرر بأشكال متنوعة بين مؤيد ومعارض لنظام نشأ دون أن تكون له معارضة غير بعض الإسلاميين، فقد تشكل فى 3 يوليو على قاعدة تأييد، أخذت فى التبعثر على مدى السنوات الثلاث الماضية، واقترب الحال إلى ما يشبه صيغة العلاقات السياسية السابقة على 25 يناير 2011م، من وجود قوى سياسية فى تفاعل مع النظام، الذى لا يوجد له حزب سياسى، بل قاعدة متعددة من التأييد والدعم، وبين قوى سياسية محتجة رافضة، هى فى الواقع مع اختلافات محدودة إعادة انتاج لصيغ الاحتجاج السابقة مثل «كفاية» «6 أبريل» و«الاشتراكيين الثوريين» وغيرها. والتشابه ليس فقط فى اللاعبين، ولكن أيضا فى استعادة جزء من قواعد اللعبة وهو التعامل الأمنى المباشر.
الحل فى حوار وطنى موسع، ليس بالضرورة شاملا كل الأطراف، لأن بعضها يقف موقف العداء من الحوار ذاته، ولكن غالبية القوى التى تريد أن تلتف حول اجندة الدولة الوطنية الديمقراطية الحديثة، وهى قوى متعددة، لا تعادى الحكم، وتقف مساندة له، لكن لها مطالب محل نظر تتعلق بالحقوق والحريات، وتفعيل المجال العام، وبخاصة منظمات المجتمع المدنى. وفى ظروف الأزمات الاقتصادية والاجتماعية يصبح الحوار أداة للتماسك وبناء الثقة.