منذ عدة سنوات كان لى زميل سلفى، اشتركنا فى عمل واجتماعات ولجان، وتصادف حلول عيد القيامة فى تلك الاثناء. فوجدت ذلك الزميل يتصل بى مهنئا على استحياء قائلا: أود الاطمئنان عليك هذه الفترة. ضحكت، وقلت له: نعيد فى هذه الأيام، ولا نفعل شيئا رديئا بأنفسنا. فضحك هو الاخر، وقال لى كل سنة وأنت طيب. فقصدت ان امازحه، وكان بيننا ود ولطف فى العلاقات، وقلت له: هل تقول لى كل سنة وأنت طيب بمناسبة قيامة السيد المسيح؟ فرد مسرعا: لا. أنا أقول لك التهنئة بشكل شخصى. تبادلنا حديثا وديا قبل أن ننهى المكالمة.
تذكرت ذلك فى خضم التهانى بعيد القيامة هذا العام التى بعث بها مسلمون ومسلمات لشركائهم فى المواطنة من الأقباط على مواقع التواصل الاجتماعى.
بالتأكيد كان يكفى منهم عبارات التهنئة المعتادة، ولكن بعضهم، ربما احتجاجا على مناخ التطرف، وضعوا صورة السيد المسيح القائم من الأموات بجوار عبارات التهنئة، وبعضهم استخدم العبارة التى يرددها الاقباط فى هذه المناسبة، والتى تمتد بالمناسبة لمدة خمسين يوما منذ الاحتفال بالعيد (المسيح قام... بالحقيقة قام) باللغتين العربية والقبطية.
بالتأكيد هم فعلوا ذلك على سبيل التحية والمحبة والمجاملة وليس تعبيرا عن الإيمان العقيدى، وهو أمر مقدر، ومفهوم فى سياقه، ويثبت مجددا ان التسامح شأن اجتماعى، والايمان العقيدى شأن بين المرء وخالقه.
التحية والشكر لهم واجب لأنهم اعطوا مثالا واقعيا للمودة، ولا عزاء للمراهنين على التعصب والانغلاق الذهنى.
واذا هنأ مسئول الاقباط فى عيدهم، فهذا نابع من عمله أو مسئولياته، ولكن أن يبادر شخص مسلم بتلقائية بتهنئة أصدقائه وزملائه المسيحيين، فهذا نابع من مودة وروح مجاملة ورغبة دفينة فى العيش بسيطا تلقائيا فى مجتمع طبيعى وصحى يقوم على التعدد الدينى.
وأعود إلى زميلى السلفى العزيز. هو بالتأكيد أراد أن يعبر عن ود تجاهى، وربما وجد نفسه بين طريقين، الأول أن يقف عند حدود تصوراته الدينية وأحاديث مشايخ السلفية عن الإيمان والكفر، والطريق الثانى أن يتعامل بروح مصرية تلقائية، ولاسيما ان تهنئة المسلم للمسيحى بعيده، والعكس صحيح، لا تنال من عقيدته، أو تمثل تفريطا فى ايمانه.
الشخصية المصرية بطبعها بسيطة وتلقائية، لا تحب التشدد فى أعماقها، وأظن أن التشدد اجلا ام عاجلا محكوم عليه بالانتهاء لأنه ضد الطبيعة الإنسانية. واذا نظرنا إلى الفقه المصرى نجده رحبا، يعبر عن بساطة الحياة على وادى النيل فى مجتمع نهرى، ولم يكن التشدد الدينى سوى ثقافة هبت رياحها المتربة على المجتمع منذ السبعينيات من مجتمعات أخرى، تبرأ منها أصحابها الان، وعدلوا عنها، وصار على المستوردين لها أن يفعلوا الأمر ذاته، ويعودون إلى الحياة الدينية المصرية، العميقة والبسيطة فى آن واحد، والتى لا تعرف الغلو أو الخشونة أو الحدة.