الحب والصمت - محمود قاسم - بوابة الشروق
السبت 21 ديسمبر 2024 3:44 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الحب والصمت

نشر فى : الجمعة 26 يونيو 2020 - 7:45 م | آخر تحديث : الجمعة 26 يونيو 2020 - 7:45 م

هذه الأيام يتجدد الحديث عن الكاتبة الراحلة عنايات الزيات وروايتها «الحب والصمت»، وهناك حالة كبيرة من الشغف بهذه الرواية بين أدباء من الجيل الحالى، وبين كاتبة اختفت منذ قرابة ستين عاما، والسبب هو صدور رواية أو كتاب أقرب إلى التحقيق الأدبى للشاعرة المصرية ايمان مرسال المقيمة فى كندا باسم «فى أثر عنايات الزيات» الذى حاولت فيه الكشف عن الغموض فى حياة وممات مؤلفة ماتت مجهولة دون أن يعرفها أحد وهى التى عاشت بين عامى 1936 و1963 التى قيل إنها ماتت منتحرة بسبب رفض الناشر اصدار الرواية، وهو سبب تراجيدى يكفى أن تقوم شاعرة مصرية بالبحث عنها، وتأليف رواية وهى المعروفة لنا كشاعرة بعد أن عثرت على نسخة قديمة من الرواية فى سور الأزبكية، فأدهشتها بقوة، وتمثلت المؤلفة أمامها بعباراتها وحبها الملحوظ للحياة رغم أن الموت كان يلفها بقوة بتاريخها الغامض إلى شد انتباه قراء الجيل الحالى، وهو الموضوع الذى ركز عليه الفيلم عقب وفاة شقيقها هشام الذى كان الشخص رقم واحد فى حياتها انها الطالبة الجامعية سامية، ولعل السبب الذى دفعنى إلى الكتابة عن الموضوع أن كاتبا يقترب من الستين وضع غلاف «الحب والصمت» على صفحته، وقد عثر هو أيضا على الرواية بالمصادفة فتصورها كتاب ايمان مرسال، وقرأه بشغف، ما أثار حوار جديد، ترى ما أهمية الموضوع، وترى أين الرواية والفيلم، حيث وضع كتاب «فى أثر عنايات الزيات» الضوء على الكاتبة وروايتها، لكن يبدو أن أحدا لم يلتفت إلى الفيلم، فقد كان كتاب مرسال يجمع بين البحث والحكى عن رحلتها للتعرف على حياة أديبة موهوبة ماتت منتحرة، وهذه المعلومة جاءت على لسان كاتب كان طفلا فى العام الذى ماتت فيه الكاتبة، والجدير بالذكر أن عنايات ليست هى الكاتبة الوحيدة التى نتحر فى سن صغيرة فقد لحقت بها أيضا كاتبة هى آروى صالح، ما دفع بالكاتبات دوما إلى التعاطف من المرأة المنتحرة وهو أمر تجدد فى الاسبوع الماضى، ولاشك أن رحلة شاعرة للبحث عن كل ما يخص عنايات أمر أثار الشجون لدى الآباء للنهاية المفجعة التى حدثت لأروى. وهو أمر مثير ومدهش يذكرنا بالتحقيقات الروائية التى كتبها كل من ترومان كابوت، ونورمان مايلر، لكن مرسال نفسها تعلن أنها لم تتوصل لسبب انتحار الكاتبة، لكن الغريب أنه بعد وفاتها بعشر سنوات كاملة فوجئنا بالفيلم الذى نكتشفه اليوم من إخراج عبدالرحمن شريف، وهو مخرج ليس له تاريخ يرجع اليه، لكن هناك اشارة بالغة الوضوح على الشاشة أن الفيلم عن رواية للكاتبة الراحلة عنايات الزيات، وذلك قبل نزول جميع أسماء العاملين فى الفيلم مايوحى بمحاولة المنتج والى السيد اعادة اكتشاف الكاتبة.

تم كل شىء بالمصادفة فايمان مرسال حصلت على النسخة مصادفة كما أشرنا. ومن الواضح أن الرواية مطبوعة بشكل بدائى جدا، ما يوحى انها كتب صفراء يطبعها الهواة على نفقاتهم، وأيضا الفيلم واحد من الأعمال التى لم يتم الاعتناء بها بالمرة. حيث جمع العديد من الممثلين فى بداياتهم، وكانت البطولة لنور الشريف، ونيللي، ومديجة حمدى وأشرف عبدالغفور، أما البطل الرئيس فهو الراحل أحمد عبدالحليم الذى لم يقدم عملا جذابا فى السينما عدا دوره في «يوميات نائب فى الارياف»، وقدمته السينما دوما فى دور الفنان أو المثقف، وهو هنا مؤلف مسرحى مثقف. مهموم دوما بالموت القادم اليه حتما. تحبه سامية، لكنه لا يصارحها بمشاعره بسبب أنه مصاب بمرض مميت، ويبارك المشاعر التى يحس بها زميلها فؤاد، ويعلن موقفه قبل سفره للعلاج.

من الواضح أن هناك احتفاء شديدا ببعض الكاتبات وأعمالهن الروائية القليلة مثل «الباب المفتوح» للدكتورة لطيفة الزيات، و«اعترفات امرأة مسترجلة» لسعاد زهير، وكل هذا الحماس بسبب انتمائهن إلى اليسار، بالإضافة إلى جودة الكتابة.

بوجد تشابه بين ما فى الفيلم والرواية وأجواء «الباب المفتوح»، فهناك عالم الطلاب، والجامعة وقصص الحب المستحيل، أو الحب العنقودى، حيث إن سامية محاطة بأكثر من شخص يحبها، مثل ابن خالتها عصام الذى يفشل فى خطبته معها، وزميلها فؤاد الذى يبوح لها بمشاعره دون استجابة، أما أحمد فهمى فإن مرضه يجعله يتكلم عن الموت أكثر من الحياة، أما نادية الأديبة التى تجسدها مديحة حمدى فتحب فؤاد الذى لا يبادلها المشاعر، ويبدو أن الموت كان ماثلا فى ذهن الكاتبة فالبطل الرئيس يموت ببطء، ويبدو ان عنايات كانت أيضا مريضة بشكل ميئوس منه، وهكذا يتحرك العنقود، والفيلم يتحدث عن عالم الأدباء، وعن الكتب والنشر، مثلما تقول سامية: «إن أجمل شىء للانسان أن يقرأ أفكاره مكتوبة فى كتاب»، أما أحمد فهمى المؤلف المسرحى فإنه يكتب عن الموت، ويرى أن الحب فى صمت هو الأفضل، لذا فهو لا يستجيب لتوسلات حبيبته دون أن يعترف لها بمشاعره.

فى التاريخ الفنى للمخرج ليس لدينا ما يجعلنا نشعر أنه وجد ضالته بالعثور على الرواية، ورغم التكريم الواضح لاسم الكاتبة على الشريط، وأن هذه الرواية الوحيدة التى أخرجهاللسينما وسط افلام أخرى قدمها فى تلك السنوات منها: «الأصيل» و«الغفران» و«الغشاش»، و«الحياة نغم»، و«أشرف خاطئة» وأغلب هذه الأفلام إنتاج والى السيد الذى يبدو أنه كان قريبا من المؤلفة وليس المخرج، وقد استعان هنا بكاتب سيناريو غير معروف هو سامى أمين، وايضا بكاتب حوار لم يعمل أبدا فى الكتابة، اسمه مسعود أحمد وفى فيلم «الغفران» كان والى السيد هو كاتب السيناريو، وتكرر اسم عنايات كبطلة رئيسية فى الفيلمين، الأم كما جسدتها محسنة توفيق اسمها عنايات، ما يعنى أنه يعرفها بدرجة لانستطيع أن نحددها.

التعليقات