هامش للديمقراطية ــ أولوية اقتصاد السوق والعدالة الاجتماعية - عمرو حمزاوي - بوابة الشروق
السبت 21 ديسمبر 2024 4:19 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هامش للديمقراطية ــ أولوية اقتصاد السوق والعدالة الاجتماعية

نشر فى : الإثنين 26 أغسطس 2013 - 9:00 ص | آخر تحديث : الإثنين 26 أغسطس 2013 - 9:00 ص

نعود إلى البدايات: إذا كانت الدولة الوطنية المتماسكة وقيم الحرية والمساواة والمواطنة وسيادة القانون وتداول السلطة مقومات أساسية للديمقراطية، فإن تبلور مؤسسات اقتصاد السوق الملتزمة بالعدالة الاجتماعية واستقرار آليات عملها يعدان شرطين جوهريين لتحول المجتمعات البشرية باتجاه الديمقراطية ولإنجاح تجاربها.

والشروح فى هذا الصدد مباشرة وتأتى على مستويين. فمن جهة أولى، ليس للمواطن الباحث عن الحرية والمساواة وسيادة القانون وتداول السلطة إلا أن يطالب بتطبيق ذات القيم بشأن التنظيم الاقتصادى.

وهنا تترجم الحرية إلى المبادرة الفردية والملكية الخاصة، والمساواة إلى تكافؤ الفرص وتمكين المواطن من المشاركة فى الحياة الاقتصادية وتدخل الدول فى الحدود الدنيا لضمان حد أدنى من الكرامة الإنسانية للجميع، وسيادة القانون إلى ضمان قواعد عادلة للمنافسة ومقاومة الاحتكارات وعلاقات الاستغلال، والتداول إلى الحراك الاقتصادى صعودا وهبوطا بين قطاعات المواطنات والمواطنين المختلفة وما يستتبعه من تغير مستمر فى توزيع الثروة والمكانة الاجتماعية.

حين يتكلس التنظيم الاقتصادى فى المجتمعات البشرية ونصير مع تركيز للثروة فى يد فئات أو مجموعات ثابتة ومع هيمنة للاحتكارات وتضييق على المبادرات الفردية ومع استبعاد دائم لقطاعات سكانية بعينها من المشاركة العادلة فى الحياة الاقتصادية، يفقد كل حديث عن الديمقراطية جوهره وإن حضرت الحريات والحقوق السياسية والانتخابات النزيهة والدورية.

وفى تجارب المجتمعات البشرية ليس للحريات وللحقوق وللانتخابات هذه أن تقترب من غايتها، وهى تمكين المواطن من المشاركة الحرة والواعية فى الشأن العام وحمايته، إلا فى سياق التنظيم الاقتصادى الحر.

من جهة ثانية، يدلل الواقع المعاصر على أن التنظيم الاقتصادى الأكثر ملاءمة للديمقراطية هو الذى يمزج بين ترجمة قيم الحرية والمساواة وسيادة القانون إلى مؤسسات وآليات لاقتصاد السوق وبين وضع ضمانات للعدالة الاجتماعية. بجانب ضوابط المبادرة الفردية وتكافؤ الفرص والمنافسة ومقاومة الاحتكارات، تحتاج الديمقراطيات إلى كبح جماح اقتصاد السوق كى لا يتوحش ويتطور إلى اقتصاد للأغنياء والقادرين الذين يسحقون فى الممارسة الفعلية متوسطى الحال والفقراء وينزعون عنهم حق فى الحياة وإنسانيتهم.

وضمانات العدالة الاجتماعية تعرفها بعض الديمقراطيات بالحدود الدنيا للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، أى الحق فى السكن والتعليم والرعاية الصحية وإعانات الفقر والبطالة والعجز والمعاشات والتأمينات، التى يتعين على الدول عبر السياسات الضريبية وتخصيص الموارد العامة ضماناها لجميع المواطنات والمواطنين بغض النظر عن دخولهم وحظوظهم فى سوق العمل.

وبعض الديمقراطيات الأخرى، كالدول الإسكندنافية مثلا، تأخذ الحقوق الاقتصادية والاجتماعية باتجاه الحد الأقصى عبر منظومة توزيعية متكاملة جوهرها السياسات الضريبية التصاعدية وإجراءات لدعم الحراك الاقتصادى والاجتماعى صعودا وهبوطا بحيث يعاد دوريا توزيع الثروة فى المجتمع أو على الأقل يحال دون تركزها فى يد القلة.

وفى النموذجين، الحدود الدنيا للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والحد الأقصى الضامن لإعادة التوزيع الدورى للثروة، يتبلور ويستقر اقتصاد سوق ملتزم بالعدالة الاجتماعية يحمى حرية المواطن فى الاختيار ويحول دون تحول الديمقراطية فى الممارسة الفعلية إلى ديمقراطية الأغنياء والقادرين فقط.

غدا.. هامش جديد للديمقراطية فى مصر.

عمرو حمزاوي أستاذ علوم سياسية، وباحث بجامعة ستانفورد. درس العلوم السياسية والدراسات التنموية في القاهرة، لاهاي، وبرلين، وحصل على درجة الدكتوراة في فلسفة العلوم السياسية من جامعة برلين في ألمانيا. بين عامي 2005 و2009 عمل كباحث أول لسياسات الشرق الأوسط في وقفية كارنيجي للسلام الدولي (واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية)، وشغل بين عامي 2009 و2010 منصب مدير الأبحاث في مركز الشرق الأوسط لوقفية كارنيجي ببيروت، لبنان. انضم إلى قسم السياسة العامة والإدارة في الجامعة الأميركية بالقاهرة في عام 2011 كأستاذ مساعد للسياسة العامة حيث ما زال يعمل إلى اليوم، كما أنه يعمل أيضا كأستاذ مساعد للعلوم السياسية في قسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة. يكتب صحفيا وأكاديميا عن قضايا الديمقراطية في مصر والعالم العربي، ومن بينها ثنائيات الحرية-القمع ووضعية الحركات السياسية والمجتمع المدني وسياسات وتوجهات نظم الحكم.
التعليقات