نعود إلى البدايات: إلى حد معتبر، يمكن التنظيم الديمقراطى للدولة وللمجتمع عبر اعتماد مبدأى تكافؤ الفرص والمبادرة الفردية المواطن من تحقيق ذاته والبحث عن سبل الترقى الاجتماعى والاقتصادى والمهنى. بالقطع، لا تعدم الديمقراطيات قطاعات المواطنات والمواطنين المهمشة اجتماعيا واقتصاديا وضعيفة الحضور فى الحياة العامة وسوق العمل، وثمة أزمات جوهرها التمييز تعانى منها النساء والأقليات الدينية والعرقية والمجموعات ذات الأصول الأجنبية. على الرغم من ذلك، يظل تمكين المواطن والاجتهاد القانونى والمجتمعى والسياسى لتجاوز غياب المساواة ومناهضة التمييز وتفعيل تكافؤ الفرص على نحو يحمى كرامة الإنسان.
أما نظم الاستبداد والسلطوية، حتى حين تعد بالكرامة الإنسانية واحترام القانون والعدالة الاجتماعية وصون حقوق الناس، فإنها تعجز عن ذلك وتصنع واقعا مجتمعيا وسياسيا رديئا.
جوهر الاستبداد والسلطوية هو إلغاء وجود المواطن الفرد واستتباعه، لذا تسهل التضحية بمبدأى تكافؤ الفرص والمبادرة الفردية.
جوهر الاستبداد والسلطوية هو الانتقاص من حقوق وحريات المواطن والتأسيس لبيئة استثنائية تمنح نخب الحكم والمجموعات المتحالفة معها والقريبة منها امتيازات تضعها فوق القانون، لذا تسهل أيضا التضحية بسيادة القانون وتتحول مبادئ الكرامة والمساواة والعدالة إلى مبادئ انتقائية.
جوهر الاستبداد والسلطوية هو سيطرة نخب معدومة الكفاءة على الشأن العام والمجتمعى والسياسى، لذا يفقد المواطن غير القابل للاستتباع وغير القادر على تأييد فعل النخب تهليلا أو صمتا الأمل فى تحقيق ذاته وتذهب قطاعات المواطنات والمواطنين القادرة على التأييد باتجاه الاعتماد على العلاقات الشخصية وشبكات المصالح للترقى الاجتماعى والاقتصادى والمهنى. ولذا تسهل التضحية بمعايير الكفاءة ويذيع انتشار شبكات الفساد والمحسوبية وتندر مواجهة الشبكات هذه بجدية إن من قبل النخب أو مؤسسات الدولة وأجهزتها أو منظمات المجتمع المدنى.
انظروا إلى مصر، ماضيها وحاضرها، لتروا تداعيات غياب الديمقراطية على انعدام تكافؤ الفرص والمبادرة الفردية، وكذلك على استمرار غياب الكفاءة وضعف مواجهة الفساد.
غدا هامش جديد للديمقراطية فى مصر