ويخطئ من يظن أن الوضعية هذه تقتصر على تعامل مبررى السلطوية مع تفاصيل الملهاة المسماة الانتخابات البرلمانية 2015 والتى عبثا يحاولون فك الارتباط بين عزوف الناخب عن المشاركة فيها وبين حقيقة انصراف الناس عن أوهام «البطل المخلص الذى ساقته الأقدار» و«الرئيس المنقذ الذى يجرم فى حق الوطن من يعارضه»، وحقيقة انصرافهم أيضا عن المقايضات الزائفة «سنأتى لكم بالاستقرار والأمن والخبز نظير تفويض وتأييد الحاكم الفرد» والتى يتهاوى شقها الأول ويتغول شقها الثانى فى متوالية ظلامية تغيب العقل وتعمم الجهل وتفرض الرأى الواحد.
منذ صيف 2013، والإنكار هو نهج مبررى السلطوية الوحيد إزاء تراكم المظالم وانتهاكات حقوق الإنسان التى سبقت وتلت فض اعتصامى رابعة والنهضة، والتى دأبوا هم على توصيفها كحرب على الإرهاب وعلى تعميم صفة «الإرهابى» على آلاف سلبت حريتهم. ولم ترتب شهادات الضحايا المتواترة وتقارير بعض المنظمات الحقوقية بشأن منهجية جرائم التعذيب داخل أماكن احتجاز السلطوية المصرية شأنها شأن جرائم الاختفاء القسرى والعصف الكامل بضمانات التقاضى العادل سوى المزيد من إيغال مبررى السلطوية فى الإنكار وفى نزع الإنسانية عن الضحايا عبر تصنيفهم إما كإخوان أو كخونة وعملاء أو كأعداء لاستقرار الوطن، تستوى فى ذلك الأبواق الإعلامية للمكون العسكرى ــ الأمنى (الأذرع) مع مجموعات من الكتاب والإعلاميين والحزبيين والناشطين فى بعض منظمات المجتمع المدنى والكثير من الشخصيات العامة عطلت عقولهم وضمائرهم وطغت على إدراكهم ومن ثم على أدوارهم العلنية الرغبة فى الحصول على«الحماية والعوائد» التى يظنون وهما أن السلطوية قادرة على ضمانها لهم إلى أبد الأبدين.
الإنكار هو نهج مبررى السلطوية الوحيد إزاء إماتة السياسة التى أنتجها كل من الخروج على الإجراءات الديمقراطية واستدعاء المؤسسة العسكرية للتدخل فى الصراع على الحكم، تماما كما أسهم بها واعتاش عليها المكون الأمنى الذى عاد مجسدا فى الأجهزة الأمنية والاستخباراتية إلى سابق طغيان ما قبل ثورة يناير 2011. السياسة بكونها نشاط تعددى وسلمى يستهدف تحقيق الصالح العام ويستند إلى المنافسة بين الأفكار والبرامج ويستحضر شرعيته من ممارسة المواطن للاختيار الحر ومن المشاركة الشعبية عبر صناديق اقتراع نزيهة لم تقم لها فى مصر قائمة منذ صيف 2013، وليست المقولات الزائفة من شاكلة «التفويض الشعبى لمواجهة الإرهاب» و«مرشح الضرورة» و«رئيس الضرورة» التى دأب مبررى السلطوية المصرية على الترويج لها سوى تعبير صريح عن إماتة السياسة، شأنها فى ذلك شأن الزيف الأحدث زمنيا عن «البطل المنقذ صاحب الشعبية الجارفة وصاحب التواصل المباشر مع الجماهير»، و«البرلمان كظهير سياسى للرئيس وللسلطة التنفيذية»، و«الأحزاب السياسية المفتقدة للثقة الشعبية والتى تسببت فى عزوف الناس عن المشاركة فى الانتخابات البرلمانية»، و«ضرورة صناعة الدولة للمعارضة الوطنية»، إلى آخر رطانة المبررين.
منذ صيف 2013، والإنكار هو نهج مبررى السلطوية الوحيد إزاء التداعيات الكارثية للقوانين والتعديلات القانونية الاستثنائية التى مررها «البطل المنقذ» ولم تسفر سوى عن سجن الآلاف وتهجير المواطن من المجال العام وإعادة إنتاج جمهورية الخوف وانهيار الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية. هو نهجهم كذلك إزاء التدخل السافر للأجهزة الأمنية والاستخباراتية فى الملهاة الانتخابية، والتى لم يقبل إجرائها إلا حين تثبتت «القيادات» من كامل تفريغ الانتخابات من المعنى والمضمون.
واليوم، وبعد أن تعاطى المواطن بوعى مع الملهاة الانتخابية وعزف عنها، يواصل مبررو السلطوية وضعيتهم الإنكارية تارة بادعاء مشاركة الناس والترويج للبيانات الرسمية غير الواقعية وثانية بتحميل الأحزاب مسئولية العزوف وثالثة باستجداء الذهاب إلى مراكز الاقتراع بعد حفلات «سب الناخب» الفضائية ورابعة بفك الارتباط بين العزوف وبين«شعبية البطل المنقذ» بعد أن فرضت حقائق الملهاة الانتخابية نفسها على القراءة العالمية للحدث وجردت السلطوية المصرية من فرص ادعاء قبول شعبى وشرعية ديمقراطية.