من يخاف من الفن؟ - سامح فوزي - بوابة الشروق
السبت 21 ديسمبر 2024 5:53 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

من يخاف من الفن؟

نشر فى : الثلاثاء 26 أكتوبر 2021 - 10:20 م | آخر تحديث : الثلاثاء 26 أكتوبر 2021 - 10:20 م
قد لا يعجبنى فيلم «ريش» عندما اشاهده، وقد أعود أكتب منتقدا إياه، لكن أى نقد للفيلم سيكون على أرضية فنية، ولن يتجاوز ذلك إلى الحديث فى المحظور السياسى. لا أظن أن سمعة بلد، أيا كانت، تتأثر من فيلم سينمائى أو رواية أو مقال، وإلا لكانت الولايات المتحدة انهارت لما تنتجه ستديوهات هوليوود، أو تداعت بريطانيا من جراء ما يحدث فى حى «سوهو». الحقيقة خلاف ذلك. تتأثر الدول بما لديها من عوامل ضعف، ومشكلات تدب فى أوصالها، وأزمات تواجهها.
وإذا شغلنا أنفسنا بالأفلام التى تسىء إلى مصر، حسب رأى البعض، فأكاد أجزم أن فى كل عمل فنى، إذا قلبناه جيدا بعقلية المفتش لا الناقد، سنجد فيه ما يمكن أن ندرجه تحت بند الإساءة إلى سمعة البلد بالمنطق الذى يتبناه البعض. لو تركت العنان للتفكير فى علاقة الفن بالإساءة إلى سمعة الدولة، لذهبت إلى تحليلات بعيدة ومدهشة. فيلم «الزوجة الثانية» أساء إلى الريف، وأظهر اسياده يفترون على الضعفاء، ويخطفون زوجاتهم، وفيلم «الكيت كات» وضع الاحياء الشعبية فى صورة اباحية، وكل السيدات اللاتى ظهرن فى الفيلم قدمن اشكالا من الانحراف باستثناء السيدة المتقدمة فى السن، التى جسدت دورها الفنانة القديرة أمينة رزق، وفيلم «عمارة يعقوبيان» صور المجتمع بأنه يتنفس فسادا من كل شكل ولون، ولن أتحدث عن أفلام المخرج خالد يوسف، فهى بالفعل سبق للبعض أن دمغها بختم المسىء إلى صورة مصر. وهناك من يتحفزون دائما لمواجهة الأعمال الفنية. فإذا لم يتهموا العمل الفنى بالإساءة إلى البلد، وجد من يقول إنه يسىء إلى الاخلاق، أو يجدف على الدين، أو ما شابه. وفى تقديرى أن أى انفعال زائد تجاه عمل ابداعى سواء كان فنيا أو روائيا يعطيه شهرة زائدة، قد لا تتناسب مع حجمه الطبيعى، وقد يزيد من نسب مشاهدته. يتذكر أبناء جيلى رواية «وليمة لأعشاب البحر»، يوم أن خرجت جريدة «الشعب» ــ لسان حال حزب العمل الاشتراكى فى تحالفه مع التيار الإسلامى ــ منذ عقدين بمانشيت يقول «الجنون فى الدفاع عن الذات الإلهية هو عين العقل»، ومقالا لأحد كتابها تتصدره عبارة «من يبايعنى على الموت»، هاجت المشاعر، وعلا غضب الناس، الذين لم يقرأ غالبيتهم الرواية، ولا يعرفون ما جاء فيها، وكانت الحملة فى الأساس هدفها الإطاحة بوزير الثقافة وقتئذ الفنان فاروق حسنى. وعندما استنفر البعض ضد فيلم «بحب السيما»، منحه ــ فى رأيى ــ نجاحا لا يستحقه لأن الفيلم ضعيف فنيا.

لو ترك فيلم «ريش» بلا ضجيج، سوف يشاهده المهتمون، قد يعجب البعض، وينال نقد البعض، مثل أى عمل فنى، ويمضى فى طريقه، حتى لو حصل على جوائز دولية، لكن سيكون فى ذاته تعبيرا عن حرية المبدع فى المجتمع، وللناقد أن ينتقد رؤيته الفنية.

لا أظن أن مصر دولة ضعيفة، أو مرتعشة، بأى حال من الأحوال حتى تتأثر من رواية أو فيلم، وإذا كان الفقر حقيقة فى هذا المجتمع منذ عقود، فإن مواجهته الآن تشهد طفرات كبرى، وحتى يدرك الناس قيمة ما يحدث على أرض الواقع، ينبغى أن نوثق بجميع السبل، ومنها الأعمال الفنية، الأمراض الاجتماعية التى تنهش فى الجسد المصرى.
سامح فوزي  كاتب وناشط مدني
التعليقات