حوارات الإسكندرية وأمن مصر المائى - إيهاب الملاح - بوابة الشروق
الأحد 15 ديسمبر 2024 7:55 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حوارات الإسكندرية وأمن مصر المائى

نشر فى : السبت 26 نوفمبر 2022 - 9:20 م | آخر تحديث : السبت 26 نوفمبر 2022 - 9:20 م

ــ 1 ــ
تستهل مكتبة الإسكندرية العريقة مرحلة جديدة فى حضورها الإقليمى والمحلى والدولى، ودوائر تأثيرها الثقافى والفكرى، مع مديرها ومسئولها الأول الدكتور أحمد زايد أستاذ علم الاجتماع، والعالم الجليل صاحب الإنجازات العلمية المشهود لها بالرصانة والعمق والدراية.
يستهل الدكتور أحمد زايد أشهره الأولى من إدارته لمكتبة الإسكندرية بنشاط عارم ومتلاحق من الفعاليات؛ ندوات ومؤتمرات وشراكات وبروتوكولات فى حركة استعادة حقيقية لدور المكتبة الكوزموبوليتانية والنافذة الحضارية التى نطل منها على شركائنا فى حوض البحر المتوسط، والعالم أجمع.
ومن ضمن ما استهله الدكتور زايد من نشاط هو تفعيل وتنشيط ما أطلق عليه «حوارات الإسكندرية» التى تنظمها المكتبة من خلال إداراتها المختلفة، ومراكزها البحثية المتخصصة، وذلك بعقد لقاء دورى كل شهر يستضيف نخبة من الخبراء والمتخصصين للحديث عن موضوع من الموضوعات التى تشغل الناس والرأى العام، بعرض كل جوانب هذا الموضوع أولا، ثم طرحه للنقاش وتبادل الرأى وطرح الأسئلة ثانيا، والإفادة من خلاصة هذه المناقشات والحوارات فى طرح تصورات ورؤى عامة يمكن الاستضاءة بها فى معالجة المشكلات والتحديات التى تواجهنا ثالثا.
أول «حوارات الإسكندرية» كانت ندوة مهمة جدا، بل أظنها فى غاية الأهمية، لموضوعها أولا، ولقيمة ومكانة المتحدثين الرئيسيين بها ثانيا، وثالثا للطرائق التى تفضل كل متحدث باتخاذها لعرض أفكاره وشرحها على جمهور المستمعين.
وقد استهل الدكتور زايد الندوة بكلمة ارتجالية دقيقة أوضح فيها الغاية من مشروع «حوارات الإسكندرية»، والتصور الذى ينبنى عليه المشروع وفلسفته، وربط كل ذلك بما يدور هذه الأيام من نقاشات الحوار الوطنى حول القضايا والموضوعات المهمة، سياسيا واجتماعيا وثقافيا، وعلى المستويين الداخلى والخارجى.

ــ 2 ــ
أما الموضوع فكان عن «الأمن المائى المصرى» الذى أصبح أحد الشواغل الكبرى لرجل الشارع فى مصر، خصوصا فى السنوات العشر الأخيرة، وما جرى فيها من بروز مشكلة أزمة سد النهضة الإثيوبى، واستشعار الخطر الذى يهدد حصتنا من مياه النيل.
وكان المتحدثون الثلاثة فى هذه الندوة من كبار الخبراء والمتخصصين فى معالجة هذا الموضوع الدقيق، وإن كان قد تم اختيار كل اسم لمقاربة جانب من الموضوع بدقة شديدة؛ فمن ذا الذى يمكن أن يقدم مقاربة كلية وشاملة لمعالجة موضوع الأمن المائى المصرى والمخاطر التى تتهدده والتحديات التى تجابهه وسبل حماية مواردنا المائية وحماية حدودنا البحرية أفضل من الفريق مهاب مميش قائد القوات البحرية الأسبق ورئيس هيئة قناة السويس السابق ومستشار رئيس الجمهورية للمنطقة الاقتصادية بقناة السويس.
قدم الفريق مميش عرضا مصحوبا بالوسائط الشارحة لتوصيف حدودنا البحرية ومواردنا المائية أولا، ثم ما تعرضت له من مخاطر وتهديدات خلال السنوات العشر الأخيرة، وكيف قامت قواتنا البحرية ضمن مهامها الأصيلة بتأمين حدودنا البحرية ومياهنا الإقليمية، وحفظت لها السلامة والأمن، وستبقى بإذن الله.

ــ 3 ــ
أما عن الجانب السياسى والاستراتيجى لموضوع أمننا المائى، وعلاقة ذلك بفاعليات قمة المناخ التى انعقدت فى مصر بشرم الشيخ، فقد قدم أستاذ العلوم السياسية القدير ووزير الشباب والرياضة الأسبق الدكتور على الدين هلال خلاصة مركزة، غاية فى الدقة والوضوح والبساطة، ودونما إخلال بالعمق اللازم بحدود هذا الموضوع ولوازمه، وربط ما تواجهه مصر من تحديات فى توفير ما تحتاجه من موارد مائية للتنمية والتوسع فى المشروعات القومية بالأزمات والتحديات التى تواجه العالم كله من تقلبات التغير المناخى إلى مخاطر الزيادة السكانية... إلخ.
كان الدكتور على الدين هلال وهو الأستاذ والعالم والمحاضر الذى لا يشق له غبار فى غاية تألقه وتركيزه وقدم عرضا وتحليلا لا يصدر إلى من خبير قدير متابع وملم لكل تطورات ومستجدات موضوعه متضمنا عرضه بالأرقام والإحصاءات ورغم ذلك فلم يكن حديثه جافا متقعرا كما اعتدنا فى مثل هذه المناسبات بل كان حديثا شائقا ممتعا يراعى الغاية التثقيفية من مثل هذه اللقاءات وحريصا على الحوار مع جمهور الحضور والمستمعين حول موضوع اللقاء.

ــ 4 ــ
أما آخر المتحدثين فكان الأستاذ الدكتور محمد شوقى العنانى أستاذ العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، والذى قدم بدوره إضاءة تاريخية وقانونية بالغة القيمة والأهمية حول أزمة سد النهضة الإثيوبى، وعلى كثرة ما سمعت وقرأت حول هذا الموضوع طيلة السنوات الماضية فقد بهرنى الدكتور العنانى حقيقة بهذا العرض الرائع الذى قدم فيه واحدا من أهم التأسيسات المعرفية حول الموضوع، وهو تقريبا ما نفتقده طيلة السنوات الماضية فى إتاحة وعرض ومعالجة موضوع سد النهضة.
فمعظم الناس فى مصر لا يعرفون شيئا عن جذور العلاقات التاريخية والسياسية بين مصر وأثيوبيا، وكذلك لا يعرفون الإطار التاريخى العام خلال المائة سنة الأخيرة لوضعية مياه النيل، وعلاقة مصر والسودان باعتبارهما دولتى المصب بغيرها من دول المنابع، وهو موضوع يبدو صعبا ومركبا ومحتشدا بالتفاصيل والمعلومات، ومن هنا تأتى قيمة ما عرضه الدكتور العنانى الذى قدم بسلاسة ووضوح وعربية رائقة وممتعة وسلسة الإطار التاريخى العام للاتفاقات التى أبرمت حول مياه النيل فى القرن الماضى، والفروقات الدقيقة بينها، وصولا إلى شرح الوضع الحالى من منظور القانون الدولى والاتفاقات الدولية المنظمة للأنهار ومياهها والدول المشاطئة لها.

ــ 5 ــ
نحن فى أمس الحاجة إلى مثل هذه الندوات واللقاءات التى تتجاوز مجرد الظهور وملء الفراغ إلى تقديم رؤية معرفية حقيقية وأصيلة، وبمعرفة أهل العلم والكفاءة المشهود لهم بالتخصص وتحصيل الخبرات فى هذا المجال أو ذاك، مع الحرص أن تكون هذه المعرفة متاحة للجميع وموجهة للجميع ولا تكون قصرا على المتخصصين والمعنيين والمثقفين، فلا خلاص من الفوضى والعشوائية وغياب الدقة إلا بنشر الوعى والمعرفة الأصيلة بما نعانيه، والبحث عن حلول جادة ومعالجات جذرية لهذه المشكلات التى تحاصرنا من كل جانب.