الجوقة الإعلامية التى حاولت تصوير تعديل مواعيد الانتخابات البرلمانية على أنها استجابة سريعة من جانب الرئاسة للأقباط لا معنى لها، وتمثل امتدادا لتراث الدولة الفرعونية التى تشكل فيها السلطة السياسية مصدر النعم للمواطنين. فى حواره مع الإعلامى عمرو الليثى أعترف رئيس الجمهورية بخطأ تحديد المواعيد على النحو الذى يتقاطع مع أعياد المسيحيين، وذكر أنه عدل عنه، وهو أمر مقدر بالطبع فى ذاته، لكنه لا يصلح عنوانا للاسراع بالقول مثلما فعل البعض بأن قرار العدول عن خطأ يعبر عن حرص رئيس الجمهورية بأن يكون رئيسا لكل المصريين، لأن هذا يجافى وقائع تكشف تعرض الأقباط لمظالم كثيرة، لا يصلح معها الاختزال الرمزى أو الاحتفالى فى مراجعة قرار أظهر أن الدولة المصرية، بهيئاتها ومؤسساتها السيادية لا تعرف المناسبات الدينية لقطاع من مواطنيها، ينص الدستور على احترام حرية ممارستهم لشعائرهم الدينية.
لا أعتقد ــ بصراحة ــ أن غالبية الأقباط يشعرون بأن الرئيس محمد مرسى هو رئيس لهم، ولاسيما مع تكاثر المشكلات فوق رءوسهم، هموم مصرية عامة، وهموم قبطية خاصة، الكل يتقاطع، ويخلق حالة من الغضب الممزوج بالقلق. لا نٌحمل رئيسا جديدا تركة ثقيلة من الطائفية تراكمت على مدار عقود، لكن نتطلع أن يتخذ قرارات يظهر منها أنه يشعر بوجودها، ويسعى لإزالتها، من توترات دينية، واعتداء على كنائس مثلما حدث فى الفيوم منذ أيام، واختفاء فتيات قبطيات من أسرهن دون أن تجد من يساعدهم على إعادتهن وسط صمت وربما تواطؤ من أجهزة الدولة، وكثير منهن فى سن الطفولة (أقل من ثمانية عشرة عاما)، فضلا عن وجود خطابات زاعقة تنال من المعتقدات المسيحية سواء فى الإعلام أو الشارع بشكل لم يكن سافرا على هذا النحو من قبل، وكأن هناك من يرى فى وجود رئيس إسلامى التوجه سندا له فى نشر التعصب والكراهية، دون أن يعنى ذلك بالطبع توجها رئاسيا لأحد. وكم هو ملفت، أن رئيس الجمهورية فى موقعه منذ نحو تسعة أشهر لم يظهر خلالها أى لفتة بأنه يعى التراث الثقافى المتعدد، والتجربة الحضارية للمجتمع المصرى بزيارة أى من المعالم المسيحية أو المشاركة فى أى مناسبة تخص الأقباط، أو الحديث عنهم بما يتجاوز الخطابات التقليدية المعتادة عن الوحدة الوطنية، والعلاقات الطيبة بين المسلمين والأقباط.
أعرف أنه ليس يسيرا لرئيس من الإخوان المسلمين أن ينفتح على المسيحيين، فهو فى مرمى نيران اتجاهات إسلامية عديدة بعضها وسطى وآخر متشدد، وسط مزايدات سياسية على كل المستويات بهدف استقطاب الشارع بالرهان على تطرف مزاجه، وليس بتأكيد معانى التسامح والمواطنة. ورغم ذلك ينبغى عليه أن يعبر هذه العقبة، إذا أراد أن يؤسس مجتمعا يقوم على المواطنة والحرية والمساواة، فالنوايا الطيبة لا تكفى، ولكن السياسات العامة هى عنوان العمل.