وبعد أن ينتهى مشهد الانتخابات الرئاسية، الذى تلزم الآن قاعدة الامتناع عن التأثير على توجهات الناس بالصمت عن تناوله، ستجد الأطراف الفاعلة فى شئون الدولة والمجتمع والمؤثرة فى منظومة الحكم/ السلطة ذاتها أمام أسئلة طرحت عليها من قبل وسيعاد طرحها إما بحثا عن إعادة إنتاج إجابات الأشهر الماضية أو أملا فى إجابات مختلفة.
مؤسسات وأجهزة الدولة المؤثرة فى منظومة الحكم/ السلطة ــ ما هو تصوركم لطبيعة الدولة المصرية، استبدادية أم ديمقراطية؟ هل تعتقدون أن الدولة ستتماسك بالقهر والقمع والظلم والإقصاء أم بالعدل وسيادة القانون والمشاركة الشعبية؟ هل تريدون دولة طبيعية تؤدى بها المؤسسات والأجهزة المختلفة أدوارها الاعتيادية أم تبحثون عن دولة استثنائية تهيمن بها المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية على كل ما عداها؟ هل تدركون أن عوامل المركزية الشديدة والفساد والتداخل العضوى بين السلطة والثروة وغياب المشاركة الشعبية وانتهاكات الحقوق والحريات هى التى أفقدت الدولة القدرة على التماسك والفاعلية والانتصار للمصلحة الوطنية؟ هل أنتم مستعدون لتجاوز غواية الاستبداد واستسهال القمع والظلم والإقصاء فى سبيل دولة تلتزم سيادة القانون وتتحول ديمقراطيا بالفعل وفى سبيل مجتمع مستقر ومسالم ينشط اقتصاديا واجتماعيا ويطلق العنان للمبادرة الفردية؟ هل تستطيعون كبح جماح العقلية الأمنية التى تميت السياسة وتجعل من المعارضة إما معارضة مستأنسة أو هدفا للتخوين وللتشويه وللتشهير وللقمع المستمر وتعد بالحفاظ على «الاستقرار» والتغلب على «التحديات» وهى تقضى على الأول وتعمق من الثانية؟
النخب الاقتصادية والمالية المتحالفة مع الحكم/ السلطة هل هدفكم هو فقط العودة إلى التداخل العضوى بين السلطة والثروة وتجديد دماء ثنائية «الاستتباع والتأييد فى مقابل الحماية والعوائد»؟ أم أنكم تدركون أن التداخل هذا والثنائية هذه يذهبان بفرص التطور الاقتصادى والتنمية المستدامة ويفتحان أبواب الدولة والمجتمع على مصراعيها للفساد وللريعية وللعصف بمقومات المنافسة الحرة وتكافؤ الفرص بين أصحاب الأعمال ورءوس الأموال ولفرض الجمود على المشروعات الاقتصادية الصغيرة والمتوسطة؟ هل تعتقدون أن العودة إلى سياسات وممارسات السنوات الأخيرة فى حكم الرئيس الأسبق مبارك تمكن من تجاوز الفجوة الحالية بين ميسورى الحال ومحدودى الدخل ومعدلات الفقر والبطالة وتدنى مستويات الخدمات الأساسية أم أن تبنى سياسات وممارسات متوازنة تدمج بين دور الدولة والمبادرة الخاصة الملتزمة بالمسئولية الاجتماعية ضرورة وطنية قصوى؟ هل ترون أن حقوق العمال والفئات محدودة الدخل والمهمشة والفقيرة يسهل تجاهلها لكى يتواصل تركيز الثروة فى مصر أم أن العدالة الاجتماعية والعدالة التوزيعية يمثلان مع رفع إنتاجية وكفاءة النشاط الاقتصادى أولويات وطنية؟ هل تبحثون عن دولة ديمقراطية تلتزم سيادة القانون وتداول السلطة أم تفضلون الحاكم الفرد الذى تتحالفون معه لحماية مصالحكم وعوائدكم والقوى السياسية التى تديرونها من وراء ستار؟ هل أنتم على استعداد لقبول معايير الشفافية والنزاهة والمساءلة والمحاسبة أم هى تتعارض مع طرائق وأساليب عملكم؟
الاختيارات الكبرى للمؤسسات والأجهزة المؤثرة فى منظومة الحكم /السلطة والنخب الاقتصادية والمالية المتحالفة معها هى التى ستحدد طبيعة إجاباتهم عن الأسئلة السابقة، وستحسم الوجهة التى ستذهب إليها مصر فى الفترة القادمة. إلا أن الحسم هذا لن يعدو أن يكون جزئيا. فالأصوات والمجموعات المعارضة لمنظومة الحكم/ السلطة والبعيدة عنها سيكون لها أيضا دورها، وعليها هى أيضا أن تحسم اختياراتها. وحول هذا سيكون حديث الغد وبعد غد.