أتفهم شعور الكثير من المصريين بالإحباط والخوف على مسار الثورة حين يتابعوا نتائج نقاشات القاعات المغلقة بين الأحزاب والقوى السياسية ويدركوا أن العدد الأكبر منها يدعى أنه وكيل أو ممثل الإرادة الشعبية دون توكيل وقبل ممارسة آلية التمثيل الديمقراطى الحقيقية، الانتخابات.
أتفهم هذا الشعور تماما وأقف ضد محاولات استبعاد المواطنات والمواطنين من دائرة الفعل والقرار السياسى. من غير المقبول إن توافقت الأحزاب والقوى السياسية على وثيقة للمبادئ الأساسية للدستور ورغب فى إصدارها فى إعلان دستورى أن يصدر الإعلان دون أن يستفتى المواطن على المبادئ وتوافق الأغلبية عليها.
من غير المقبول أيضا أن تستند بعض الأحزاب والقوى، خاصة التيارات الإسلامية، فى دفاعها عن مواقفها السياسية إلى ادعاء أنها وحدها الحارسة على الإرادة الشعبية والمحتكرة لحق إشهار سيف الشعب فى وجه السلطات والقوى الأخرى. الإسلاميون شأنهم شأن غيرهم سيختبرون فى الانتخابات القادمة وسنعرف بعدها حدود القبول الشعبى الفعلى لهم.
أتفهم مطالبة المجلس الأعلى للقوات المسلحة الأحزاب والقوى والشخصيات الوطنية بالالتفات إلى التحديات الكثيرة التى يواجهها الأمن القومى المصرى شرقا (الغطرسة الإسرائيلية) وغربا (حركة الجماعات المسلحة االليبية التى شاركت فى الثورة) فضلا عن تحديات الوضع الاقتصادى الراهن. أتفهم هذا وأرى أن الأحزاب والقوى السياسية بالفعل مطالبة بالتعاون مع السلطات فى التعامل مع التحديات الأمنية والاقتصادية.
إلا أن المجلس الأعلى عليه أيضا أن يدرك أن المصداقية السياسية والشعبية للأحزاب تقتضى إحراز بعض التقدم على صعيد قضايا الوقف الفورى لإحالة المدنيين إلى القضاء العسكرى وإعادة النظر فى قانون الأحزاب والانتخابات بإدخال التعديلات المشروعة التى طالبت بها الأحزاب والقوى الوطنية كتخفيض عدد التوكيلات المطلوبة للتسجيل من 5000 إلى 1000 وزيادة عدد المقاعد البرلمانية المخصصة للقوائم الحزبية. الأحزاب أيضا تائهة وهى مازالت فى انتظار تقسيم الدوائر الانتخابية للبدء فى الإعداد لحملاتها الانتخابية وحسم الأمر فيما يتعلق بمرشحيها، وتقسيم الدوائر طبعا ما زال غائبا.
هذه الأمور تضغط على الأحزاب والقوى الوطنية وتحتاج لحلول سريعة كى نستعيد الإيجابية التى ميزت العلاقة مع المجلس الأعلى فى البداية. وأؤكد أن قضية إحالة المدنيين إلى القضاء العسكرى لا تقل أهمية عن قضايا الانتخابات، وبصراحة تامة يرتب الاستمرار فى هذه الممارسة زرع لحالة من الشك تجاه المجلس بين الكثير من المواطنين. ومصر والأطراف جميعا فى غنى عن ذلك.