نشر الموقع الالكترونى لصحيفة الحياة اللندنية مقالا للكاتب العراقى «وليد خدورى» ــ المتخصص فى شئون الطاقة ــ عما جاء فى التقرير البحثى الأخير الذى صدر عن الشركة العربية للاستثمارات البترولية «أبيكورب» حول العوامل التى تحفز الدول العربية غير النفطية لتشييد الطاقة المستدامة.
لم يكن متاحا فتح المجال الواسع بسرعة لانطلاق صناعة الطاقات المستدامة (الشمسية والرياح) عربيا، نظرا إلى منافسة الاحتياطات الضخمة من النفط الخام والغاز الطبيعى وكلف إنتاجها المنخفضة نسبيا ولعدم توافر الأموال الاستثمارية الضخمة لدى الدول غير النفطية. لكن وفق التقرير البحثى الأخير للشركة العربية للاستثمارات البترولية (أبيكورب)، التى أسستها الدول الأعضاء فى منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول، تحفزت دول عربية غير نفطية خلال السنوات الأخيرة للولوج إلى تشييد الطاقات المستدامة، للأسباب التالية: أولا: اهتمام الدول غير النفطية ذات الاستهلاك العالى والمتزايد بسرعة بضرورة معالجة هذا التحدى الاستيرادى الباهظ الكلفة لموازناتها السنوية الحالية والمستقبلية.
ثانيا: تحفز المصارف والمؤسسات التنموية الإقليمية والدولية لتمويل هذه المشاريع، وذلك فى وقت تتجنب المصارف العالمية تمويل
مشاريع تنموية من هذا النوع بالذات، نظرا إلى أنه يتطلب قروضا طويلة الأمد فى دول ذات تحديات واضطرابات سياسية واقتصادية، ما يعرض تحصيل الأموال مستقبلا للأخطار.
ثالثا: اهتمام المصارف والمؤسسات التنموية بقضايا البيئة، بحيث تبوأ الهدف البيئى أولوية أهدافها.
واجتمعت أهداف الدول العربية غير النفطية مع أهداف هذه المؤسسات التنموية العالمية للحفاظ على البيئة وترشيد استهلاك الطاقة. أخيرا: يتوجب التنويه بأن التمويل من المؤسسات التنموية ــ الإقليمية أو الدولية ــ يفترض كلا من الاقتراض بقروض ميسرة والإشراف على تنفيذ المشاريع ذاتيا. الأمر الذى يمنع أو يقلص إمكان الفساد المتغلغل فى الدول النامية.
وتبنت الدول العربية البترولية (الإمارات والسعودية تحديدا) برامج متعددة لتشييد الطاقات المستدامة، معتمدة على التمويل الحكومى الذاتى.
لكن تباينت الأهداف من تشييد الطاقات المستدامة ما بين الدول العربية النفطية وغير النفطية. فقد هدفت الدول النفطية إلى تقليص استهلاك الموارد الهيدروكربونية لتكريس أكبر كمية منها للتصدير. وهدف البعض الآخر إلى الحفاظ على البيئة أيضا فى الوقت نفسه.
من المتوقع أن تستمر المصارف والمؤسسات التنموية الإقليمية والدولية فى قيادة عملية تمويل مشاريع الطاقات المستدامة، بالذات لأنها تدعم أولويتها البيئية على الصعيد العالمى، ونظرا أيضا إلى زيادة الاهتمام الإقليمى والعالمى ببدائل الطاقة لتحسين البيئة وللفوائد الاقتصادية الناتجة من اعتماد سياسة تنويع بدائل الطاقة.
ينبع اهتمام المصارف التنموية الإقليمية والدولية بتمويل مشاريع الطاقات المستدامة، من تجربتها فى دعم مسيرة التنمية العربية. وبينما تختلف القطاعات الاقتصادية التى تم إيلاء الاهتمام لها خلال الفترة الماضية، فقد حاز كل من قطاع المواصلات والطاقة حيزا مهما من اهتماماتها وقروضها ومساعداتها.
وعلى رغم الاهتمام أيضا بقطاعى التعليم والصحة، فقد أولت المؤسسات التنموية الإقليمية، اهتماما واسعا بقطاع الكهرباء، نظرا إلى عدم تمكن ملايين السكان من الحصول على الكهرباء، الذى يجعل من الصعوبة لهذا العدد الضخم من المواطنين تحقيق التنمية المستدامة الضرورية للقضاء على الفقر. وقد اهتمت المؤسسات التنموية الدولية، بالمساهمة فى تمويل قطاع الكهرباء على الصعيد العالمى. إذ تشير «أبيكورب» إلى أن البنك الدولى قد ساهم فى نحو 70 مشروعا كهربائيا على الصعيد العالمى وفى أكثر من 35 دولة لتسهيل الحصول على الكهرباء، وذلك من خلال المساهمة فى أكثر من 5 مليارات دولار منذ عام 2010.
استعرض التقرير تجربة كل من مصر والمغرب فى مجالات الطاقة المستدامة. وذكر أن مصر قد تأخرت فى تشييد مشاريع الطاقات المستدامة للمصاعب الاقتصادية التى واجهتها. منها، التقلبات الحادة فى قيمة الجنيه، وشح العملات الصعبة، والإصرار على اللجوء إلى التحكيم والقضاء المصرى فى حال نشوب خلافات مع الشركات العاملة. ونظرا إلى معارضة معظم الشركات الدولية اللجوء إلى المؤسسات القضائية المحلية، فقد اعتذر الكثير منها عن المشاركة فى المشاريع. وتم تغيير هذا الشرط.
تم أيضا عدم الاعتماد فقط على تمويل القطاع العام. فاعتمدت مصر، فى بادئ الأمر، على التمويل من البنك الدولى ومؤسساته. لكن نظرا إلى ضخامة المبالغ المطلوبة لتمويل محطات الكهرباء التقليدية ومشاريع الطاقات المستدامة، لجأت مصر أيضا إلى المؤسسات التنموية الأخرى للحصول على المبالغ اللازمة لتشييد المشاريع اللازمة لملافاة الطلب المتزايد.
يذكر التقرير مشاريع عدة تم تنفيذها فى مصر أخيرا، حيث شاركت مؤسسات تنموية مختلفة. فهناك مثلا، مشروع مزرعة الرياح بطاقة 200 ميجاوات فى جبل الزيت بكلفة 340 مليون يورو. شاركت فى تمويل المشروع مؤسسة التنمية الألمانية الحكومية وصندوق الاستثمار الأوروبى والسوق الأوروبية.
وتبنت المغرب سياسة طموحة هدفها تشييد 2 ميجاوات من الطاقة الشمسية و2 جيجاوات من طاقة الرياح بحلول عام 2020. وقد تم فعلا تنفيذ جزء كبير من هذا المشروع.
احتلت مشاريع الطاقة المستدامة فى المغرب أهمية كبرى. وقد فسحت السلطات المغربية منذ انطلاقها فى هذا المجال، التعاون مع المؤسسات التنموية الدولية والإقليمية.
الحياةــ لندن