تشعر قطاعات عريضة من المتدينين فى كل الأديان بالغيرة على معتقداتهم الدينية، يستوى فى هذا أصحاب الأديان الكبرى، أو الذين يؤمنون بمعتقدات فلسفية أو وضعية. وتجد أحيانا أناسا يتقمصون دور «فرسان المعبد» يدافعون عن الدين، ويزأرون بغضب فى مواجهة من يسىء إليه، فى حين أنهم «غير متدينين»، لا يمارسون عبادة بانتظام، ولا يتسلحون بأخلاق وقيم. هؤلاء موجودون فى كل الأديان والمجتمعات.
ومن الطبيعى أن تجد قطاعا عريضا من المسلمين غاضبين تجاه رسوم كاريكاتير أو تصريحات تسىء إلى معتقداتهم الدينية، أيا كانت تبريرات من قام بذلك. نسمع أحيانا فى حوارات مع مثقفين غربيين أن المسلمين أكثر حساسية تجاه النقد الذى يمارس لمعتقداتهم الدينية فى بيئة غربية منفتحة تفعل الأمر نفسه مع المسيحية، وكم أسىء إلى شخص السيد المسيح، مثلما يساء إلى نبى الإسلام محمد، وكلاهما تتعلق بهما أفئدة المؤمنين بهما. وأتذكر أنه فى أعقاب الحادث الإرهابى الذى وقع ضد صحفيى «شارل أبدو» ــ منذ سنوات ــ أن أكاديميا بريطانيا رفيعا هو «تيموثى جارتون آش» كتب مقالا حادا تمسك فيه بالليبرالية، باعتبارها منجزا غربيا، مؤكدا أن ممارسة الحرية تقتضى النقد، ونقد كل شىء، حتى لو كانت معتقدات دينية، وهذه هى شروط الحياة فى المجتمع الغربى.
هذا كلام فريق من الغرب يرى الحرية تسمو على المعتقد، وممارسة النقد هى جزء من الحرية، ولكن هناك الآن فريق آخر من أهل الغرب، خاصة بعد أن زاد تواصله مع مجتمعات وثقافات أخرى، أصبح أكثر ميلا إلى إدراك أهمية احترام المعتقدات الدينية لإدارة صحية للتعددية الثقافية، والعلاقات بين أهل الأديان والمعتقدات.
فى الواقع تحتاج البشرية إلى عقود طويلة تتخلص فيها من مخزون سلبى من التصورات النمطية عن الآخرين. نجدها ليس فقط بين أهل الأديان، ولكن بين أصحاب المذاهب داخل الدين الواحد، وبين سكان دول مختلفة، وأحيانا بين سكان أقاليم داخل نفس الدولة، ولن تستطيع البشرية أن تحقق ذلك إلا بمزيد من التواصل، والانفتاح، والثقافة، والحوار العاقل، وإدراك أن الآخر أيا كان لديه ما يقدمه للإنسانية من أفكار وقيم.
ليس الحل هو تبادل الإساءة، كما يروج الغاضبون فى كل زمان ومكان، ولكن الحل هو التجاوز عن الإساءة، وتقديم الصورة الصحيحة للدين والمتدينين. لن تتلاشى المسيحية إذا هوجم السيد المسيح، ولن ينهار الإسلام إذا تعرض النبى محمد إلى هجوم، وكم تحفل كتب التاريخ بأحداث وقصص وحكايات عن الهجوم الذى تعرضت له الأديان، ثم ما لبث أن تلاشى، وظلت الأديان باقية، بل واشتد حضورها وتأثيرها.
إننى اتعاطف مع الناس فى غضبهم عندما يجدون صورا وأحاديث وتعليقات تنال من عقائدهم، ويردون بانفعال وغيرة، لكنى اطمئنهم بأن الأديان أقوى من أى هجوم عليها من خارجها، فقد تعودت على ذلك على مر التاريخ وظلت صامدة، ولكن أكثر ما يسىء إليها فى رأيى هو نكوص المؤمنين بها عن تقديم الصورة الصحيحة للدين والمتدينين.