فى السنوات الأولى لإقامة دولة إسرائيل ازدهرت علاقاتها بالدول الإفريقية، بما فيها تشاد. دول كثيرة فى «القارة السوداء»، من الدول التى ناضلت من أجل استقلالها ومن أجل التخلص من سيطرة القوى الاستعمارية رأت فى إسرائيل وفى نضالها الناجح ضد البريطانيين والعرب، وفى إنجازاتها ــ وخصوصا فى المجال الزراعى، وأيضا فى المجال العسكرى ــ مصدرا للإلهام، وحاولت التقرب منها للتعلم منها. وكانت لدى أربع دول إفريقية سفارات فى القدس.
إسرائيل من جهتها، رأت فى إفريقيا فرصة لخرق الحصار الدبلوماسى ــ الاقتصادى الذى فرضته الدول العربية عليها فور قيامها، ونسجت شبكة واسعة من العلاقات خدمت الطرفين.
استمر هذا التقارب حتى مطلع السبعينيات، حين اكتشفت الدول العربية أهمية سلاح النفط الموجود لديها، وتخلت دول إفريقية عن إسرائيل تحت الضغوط الهائلة التى مارسها العرب الذين وعدوهم بتقديم مساعدات لهم. بالنسبة إلى تشاد فقد أثمرت هذه الضغوط حتى قبل نشوب حرب أكتوبر 1973ــ النقطة الزمنية التى قررت فيها أغلبية الدول الإفريقية قطع علاقاتها الدبلوماسية بإسرائيل.
فيما يتعلق بتشاد، الدولة التى تقع فى وسط إفريقيا وأغلبية سكانها من المسلمين، أدت ليبيا الدولة المجاورة لها دورا مركزيا فى إبعادها عن إسرائيل. وقد نظر معمر القذافى ــ الذى انتهج سياسة نشطة معادية لإسرائيل، إلى تشاد سنوات طويلة بصفتها باحته الخلفية ومركزا لترسيخ تمدد ليبيا إلى شتى أنحاء إفريقيا، وذلك من خلال استغلال التوترات الداخلية بين الجماعات الإثنية والدينية فى الدولة. زيارة رئيس تشاد إدريس ديبى إلى إسرائيل وإعادة العلاقات الدبلوماسية من جديد بين الدولتين، يشكلان ذروة محاولة تقرّب طويلة لإسرائيل من تشاد ــ الدولة ذات الأهمية الكبيرة ليس فقط بسبب موقعها فى وسط إفريقيا بل أيضا لكونها دولة ذات أغلبية إسلامية.
طُرحت مسألة عودة العلاقات الدبلوماسية على بساط البحث قبل عشر سنوات، لكنها ما لبثت أن أُزيلت من جدول الأعمال بسبب ضغوط مارستها دولتان عربيتان مجاورتان لتشاد ومعاديتان لإسرائيل ــ ليبيا والسودان. نُضج العملية المهمة لمستقبل علاقات إسرائيل بإفريقيا المسلمة بات ممكنا بفضل سقوط نظام القذافى وغرق ليبيا فى حروب أهلية والاعتدال البطيء لنظام السودان بفضل تأثير السعودية ودول الإمارات. وليس من المستبعد بعد أن تعيد تشاد عجلة علاقاتها بإسرائيل إلى الوراء، أن تحذو حذوها دول أفريقية أُخرى ذات أغلبية سكانية من المسلمين.
العودة المباركة لإسرائيل إلى إفريقيا صارت ممكنة لأن إسرائيل أخرجت نفسها من العزلة السياسية التى فرضتها على نفسها خلال فترة طويلة جدا. يجب قول الأمور كما هى: لقد تبنت إسرائيل سياسة خارجية سلبية، تمحورت على تركيز نشاطها فى مناطق مريحة شملت فى الأساس الولايات المتحدة وأوروبا. التغير الإيجابى فى الوضع الدولى لإسرائيل فى السنوات الأخيرة، والذى يجرى بصورة منفصلة عن عدم التقدم فى «عملية السلام»، التقطته أيضا العواصم الإفريقية. وكما كان عليه الأمر فى الماضى، لدى إسرائيل الكثير لتقدمه إلى إفريقيا، كما لدى إفريقيا الكثير لتقترحه على إسرائيل.
ضعف العالم العربى والدبلوماسية النشطة التى تمارسها إسرائيل يفتحان أمام الأخيرة آفاقا واسعة فى إفريقيا، وتعاونا أكبر مع الدول الأوروبية التى أدركت أخيرا أن عليها أن تساعد إفريقيا على حل مشكلاتها، وذلك لمنع غرق أوروبا بملايين المهاجرين من «القارة السوداء».
يسرائيل هيوم