فى نهاية العام يكثر الحديث عن تقييم السنة الماضية، ومحاولة التطلع إلى سنة مقبلة. كثيرون يرون أن عام 2016 كان مليئا بأحداث ضاغطة مؤلمة غير سعيدة. ضحايا إرهاب، ارتفاع اسعار، تراجع اقتصاد، سياسة خارجية مبهمة، احتقان وإحباط فى الوقت الذى تظهر فيه مشروعات جيدة على المستوى القومى لكن الاحداث السلبية مردودها إعلاميا ونفسيا أكثر وطأة من أى تطور ايجابى يأخذ وقته ثم ينتهى، وقد لا تشعر به.
بعيدا عن التشاؤم والتفاؤل فإننى لا أتوقع أن يحمل عام 2017 تحولات كبرى فى حياة الناس، أو نقلات نوعية تشعرهم أن الواقع يتغير من حولهم فى اتجاه ايجابى، والسبب فى رأيى يرجع إلى أن المقدمات القائمة لن يترتب عليها نتائج مبهرة، وقد يكون غاية المراد هو الحفاظ على الوضع القائم، وعدم حدوث تدهور أو تراجع أكثر خاصة على الصعيد الاقتصادى. هناك عدة مشاكل اساسية تجثم على صدر المجتمع لم يحدث حيال أى منها مواجهة جادة. التطرف لا يزال قائما، المواجهة مقصورة على الجانب المسلح منه من خلال الأجهزة الأمنية، ولكن التطرف الفكرى لا يجد من يتصدى له أو على أحسن تقدير الجهود المبذولة لا تزال محدودة، متفرقة، تفتقر إلى التكامل. المؤسسات العامة ضعيفة، تسكنها البيروقراطية، ويتمدد فيها الفساد بأشكال مختلفة، صحيح أن جهاز الرقابة الإدارية فى الفترة الأخيرة نشط بشكل ملحوظ، وكشف عن قضايا نوعية كبرى مهمة، ولكن المشكلة أكبر من ذلك، تتعلق بالفساد الصغير اليومى الذى يلهب ظهر المواطن فى دهاليز الاجهزة الحكومية فى صورة إكراميات ورشاوى وخلافه تجعل تكلفة الحصول على الخدمة يفوق بشكل كبير السعر المقرر لها. القيادات لا تزال – عدا بعض الاستثناءات ــ ضعيفة، تتعامل بمنطق بيروقراطى أو تسيير الأعمال، تغيب عنها روح المبادرة، ويسكنها الخوف، وترى أنها تحتاج إلى دعم سياسى لا تجده. السياسات العامة القائمة فيها تخبط، وعدم وضوح، وهو ما اتضح جليا فى ملف التموين أخيرا، ومن الطبيعى أن يتسبب فى إهدار موارد فى غير محلها أو عدم القدرة على التصدى للمشكلات على نحو كفء. وأخيرا، إعلام ضعيف، يفتقر فى جانب كبير إلى المهنية، يؤجج صراعات ويخدم مصالح أكثر ما يساعد على البناء، وتقديم نقاش جاد حول المشكلات، ويدفع فى اتجاه إيجاد حلول لها.
المشكلات هى مشاكل بينوية، وهو وصف غليظ يطلقه الباحثون، ويعنى أنها مشاكل تتعلق بالبناء، وليس بالحشو، مما يجعل المواجهة صعبة، والتغيير فيها يحتاج جهدا كبيرا، وإرادة سياسية، وقرارات جريئة يصعب أن يقدم عليها أى نظام سياسى بين عشية وضحاها، أو فى فترة زمنية قصيرة، لكن ينبغى أن تكون هناك خطة واضحة، وموارد لعلاج هذه الاختلالات الهيكلية، وإعادة الانضباط والرشاقة واللياقة للجسد الحكومى المترهل، بطىء الأداء، ضعيف الحركة، غير القادر على المبادرة. هناك دول استطاعت وخبرات دولية مهمة فى هذا المجال، ينبغى أن نعود إليها، ونستلهما من البرازيل إلى الهند إلى جنوب أفريقيا، وغيرها من دول أفريقيا جنوب الصحراء.
أيام تحتاج إلى تفاؤل، معذرة، الكلام الصريح مطلوب أيضا.