تتعرض ثورة 25 يناير إلى سهام لا تهدأ، وتمارس حيالها عملية تشويه منظمة، ويحاط بها جدل أريد له ألا ينتهى، ولكن مهما قيل وسيقال عنها، فإنها أحدثت تغيرات عميقة فى حياة المصريين، لا تخطئها عين، ينبغى أن يتعلم منها النظام الحالى، وأى نظام قادم.
هذه بعض من خواطر الذكرى الرابعة.
أولا: القمع، مهما تمدد وتعمق، لا يحمى نظاما حان وقت رحيله. وهذه ليست خبرة مصرية فقط، ولكنها خبرة عالمية. الأنظمة الديكتاتورية بما امتلكته من أدوات قمع لم تستطع أن تحميها من التهاوى أمام الثورات الديمقراطية. شعار «نحن نختلف عن الآخرين» غير صحيح، مضلل، نحن مثل الآخرين. القمع لا يحمى حكما أو يصون دولة، ولكن يصونها احترام الحقوق والحريات.
ثانيا: الثورة فى ذاتها خبرة مستمرة، تصعد وتهبط، تشهد مدا وجزرا، لكنها فى النهاية تظل قائمة. لا يمكن الحفاظ على التغيير السياسى إلا باستمراره، هو بحكم التعريف ليس مناسبة واحدة لا تتكرر، لكنه عملية تراكمية. لم يؤد تغيير رأس نظام مبارك إلى زوال علاقات السلطة التى سادت فيه، التداخل بين المال والسياسة، النفوذ العائلى، الفساد، جميعها تحتاج إلى عملية تغيير جادة ومستمرة، بما سوف تشهده من منحنيات، وتقلبات، لأن صراع المصالح أكثر شراسة من تغيير رأس نظام شاخ.
ثالثا: خبرة الاستبعاد السياسى لا تفيد، بل تضر. نظام مبارك استبعد المعارضة فسقط. نظام الإخوان استبعد القوى السياسية الأخرى فسقط، وأى نظام ينحو تجاه الاستبعاد لابد أن يلقى نفس المصير. الحل فى الاستيعاب. من هنا فإن عملية الاقصاء التى تمارس حاليا حيال قوى سياسية وشخصيات معارضة تؤمن بالسلمية، ولا تستخدم أو تروج للعنف تضر بالمستقبل السياسى للبلاد. حضور القوى السياسية على اختلاف ألوانها يحقق التوازن، ويحافظ على منسوب التعددية السياسية.
رابعا: الطبقة السياسية التى تقود التحول الديمقراطى فى أى مجتمع لا تزال على ضعفها من ناحية، وعدم قدرتها على استمالة أجيال جديدة من ناحية أخرى، والأنكى أن هناك من يصارع من أجل إعادة تدوير النخب التكنوقراطية الطاعنة فى السن التى خدمت فى أروقة الدولة فى العقود الأربعة الماضية تحت مسمى «رجال الدولة». يحدث هذا فى الوقت الذى يتحدث فيه رئيس الجمهورية عن الشباب، ودورهم، ويريد أن يضعهم فى مواقع اتخاذ القرار، وكأن هناك من يريد أن يصم آذانه عن التقاط الرسائل الصحيحة.
خامسا: لم يعد من ثورة 25 يناير، إلا أمران: الرئيس غير الأبدى، والشعارات الأبدية: عيش، حرية، عدالة اجتماعية. بقاء الحكم رهن بترجمة الشعارات فى الواقع. قل ما شاءت عن ثورة 25 يناير، إيجابا أو سلبا، لكن شعاراتها تحولت إلى منظور يطل من خلاله المصريون على العالم الخارجى.
خواطر فى ذكرى ثورة يناير، التى لم تخلُ من دماء شهداء، ومشاهد تطل منها دولة مبارك، ومشاهد أخرى تبحث عن الدولة الجديدة.