تضع التعديلات الدستورية التى أعلنت عنها يوم السبت لجنة المستشار طارق البشرى، حال اعتمادها من المجلس الأعلى للقوات المسلحة وموافقة أغلبية المواطنين عليها فى الاستفتاء العام، اللبنات الأولى لتقييد السلطات الرئاسية شبه المطلقة فى دستور 1971 ولإدارة انتخابات تشريعية ورئاسية تعددية قبل انتهاء المرحلة الانتقالية الحالية. بالطبع شريطة أن يتبع التعديلات الدستورية إلغاء لحالة الطوارئ وتغيير لقوانين الأحزاب ومباشرة الحقوق السياسية والانتخابات على نحو ديمقراطى يطلق حرية تكوين الأحزاب ويمكن المواطنين فى الداخل والمصريين فى الخارج من المشاركة كناخبين ببطاقة الرقم القومى.
فقصر مدة الرئاسة على أربع سنوات والحد الأقصى لمدد الرئاسة المتتالية على مدتين (تعديل المادة 77)، وتقييد صلاحيات الرئيس فيما خص إعلان حالة الطوارئ ووضع سقف زمنى أعلى لها هو ستة أشهر يعقبها حال الرغبة فى التمديد استفتاء للشعب (تعديل المادة 148)، وكذلك إلغاء المادة 179 الكارثية التى كانت تعطى الرئيس واقعيا صلاحية تعطيل كل ضمانات الحريات المدنية والحقوق السياسية للمواطنين، جميعها تعديلات جيدة وضرورية للمرحلة الانتقالية. فهى تذهب فى اتجاه الإخراج الجزئى لحياتنا السياسية من الإرث السلطوى الطويل للهيمنة شبه المطلقة لرئيس الجمهورية. بالقطع مازال دستور 1971 يحوى الكثير من المواد الأخرى التى تضمن سلطات وصلاحيات واسعة للرئيس ولم تمس فى سياق التعديلات المقترحة، إلا أن التخلص من مثل هذه المواد لن يتأتى بتعديل الدستور الحالى بل بكتابة دستور جديد لمصر الديمقراطية الحرة.
يمهد التعديل المقترح للمادة 76 لإجراء انتخابات رئاسية تعددية يتنافس بها أكثر من مرشح/مرشحة. فتحديد الحصول على تأييد 30 من الأعضاء المنتخبين لمجلسى الشعب والشورى أو على تأييد 30 ألف ناخب من 15 محافظة أو التمتع بعضوية حزب سياسى له على الأقل مقعد منتخب فى مجلسى الشعب والشورى كشروط للترشح للرئاسة ينهى تعسفية الصيغة القديمة للمادة 76 التى قصرت الترشح عملا على أعضاء الأمانة العامة للحزب الوطنى ويمكن المستقلون والحزبيون من الترشح والمنافسة.
تعديل المادة 88 باتجاه النص على تولى لجنة قضائية عليا الإشراف الكامل على الانتخابات والاستفتاء، وهو النص الذى تؤكده أيضا المادة 76 المعدلة فى ما خص تولى لجنة قضائية عليا الإشراف الكامل على الانتخابات الرئاسية، يعيد للمصريين الإشراف القضائى الكامل على عمليات الانتخاب ويضع عمليات الاقتراع والفرز تحت إشراف ورقابة أعضاء الهيئات القضائية ويمهد بذلك قانونا لاستعادة شىء من نزاهة الانتخابات. ويكمل الاتجاه الإيجابى هنا التعديل المقترح للمادة 93 الذى يلغى قاعدة «المجلس سيد قراره» السيئة السمعة ويعطى المحكمة الدستورية العليا اختصاص الفصل فى صحة عضوية أعضاء مجلسى الشعب.
إلا أن الإنجاز الأكثر أهمية للتعديلات المقترحة هو النص فى المادة 189 المعدلة على إلزام مجلسى الشعب والشورى المنتخبين على اختيار جمعية تأسيسية من 100 عضو لإعداد مشروع دستور جديد لمصر خلال 6 أشهر من انتخاب المجلسين. يعنى هذا أن المتبقى فى عمر دستور 1971 لا يتجاوز فى جميع الأحوال بضعة أشهر، وأننا سنشرع بعد الانتخابات التشريعية فى إعداد دستور يليق بمصر الديمقراطية الحرة التى نريد بناءها. فعلى الرغم من تعديلاته المقترحة الآن، يظل دستور 1971 دستورا سلطويا ورئاسيا يفتئت على صلاحيات السلطتين التشريعية والقضائية ويعطل حريات المواطنين وحقوقهم ولا يصلح من ثم لإدارة انتقال آمن نحو الديمقراطية يستدعى دستورا برلمانيا وصلاحيات متوازنة للسلطات الثلاث وآليات قوية للرقابة والمحاسبة بينها.