الرهينة - بسمة عبد العزيز - بوابة الشروق
الجمعة 27 ديسمبر 2024 11:56 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الرهينة

نشر فى : الجمعة 28 أبريل 2017 - 10:00 م | آخر تحديث : الجمعة 28 أبريل 2017 - 10:00 م

فى مسلسل تلفزيونى أدى فيه الممثل طارق لطفى دور ضابط أمن دولة، يظهر أحد مساعديه فى معرض البحث المتواصل عن «إرهابىّ» شديد الخطورة، قائلا إن الضباط المسئولين عن القضية «قاموا بما عليهم»، اعتقلوا والد «الإرهابىّ» واستبقوه لديهم، فإذا أراد «الإرهابىّ» تحرير والده، فعليه تسليم نفسه. الأب المعتقل هو رجل مسنّ خرج لتوِّه من غرفة الرعاية المركزة، يبدو أثناء اللقطات التى يظهر فيها على الشاشة طيبا مسالما، وهو يتبرأ من ابنه أمام الضباط الكبار، ويؤكد أنه لا يعلم عنه شيئا منذ زمن طويل، مع ذلك يظل حبيسا.
***
استفزنى المشهد للحق، وفكرت فى الكتابة عنه أكثر من مرة لكنى كنت أتراجع، فالأمر معتاد والكلام فيه مكرر باعث على الملل، سياسة اتخاذ الرهائن سلوك منهجىّ، تمارسه الأجهزة الأمنية بصورة تلقائية بحيث تحول إلى قاعدة لا استثناء؛ لا مُحاسبة عليه ولا عقاب، لا يُساءل مَن يلجأ إليه: لماذا؟ ولا يقال إن هذه الممارسة خاطئة معيبة، بل يعد من يزاولها ماهرا فى عمله.
استفزتنى أكثر وأكثر قولة الضابط فى سلاسة وهدوء: «عملنا اللى علينا» إزاء عملية احتجاز الأب غير القانونية، قالها مطمئنا مستريح البال وكأنه أرضى ضميره تماما، وكأن اللوم لا يقع عليه البتّة بل على الشخص المتهم بكونه إرهابيا، هذا الذى ألقيت الكرة فى ملعبه فصارت حياة أبيه رهن تصرفه، أما الرجل الرهينة ذاته فهو خارج حسابات الجميع، أو هو جزء من تصفية الحسابات، يُلقى عليه القبض دون ذنب ويبقى مُعتقلا حتى يسقط من الإعياء ويُنقل إلى المستشفى بين الحياة والموت.
***
لا يشعر عديد الناس بأن فى الأمر ما يسوء، فالإرهابى يستحق الانتقام، وأهل الإرهابى كذلك. يصفق كثيرون لعمليات الإيذاء والتنكيل؛ تلك التى لا تميز بين جانٍ وبرىء، لا يتطلعون إلا إلى إطفاء شهوة مُتَّقدة، لا تُراعى معايير العدالة والإنصاف بل لا تستقيم منطقا وعقلا، ولا أدلّ على سوء التقدير واختلاط الأمور وارتباك الضمائر مِن ذاك المُقترح الذى أشار به أخيرا عضوٌ برلمانىّ، داعيا إلى مُعاقبة أقارب «الإرهابىّ» مِن الدرجة الأولى، نظرا لكونهم لم يبلغوا عنه. المدهش والمضحك فى الوقت ذاته أن هذا الطرح جاء مطلع الشهر الحالى، لكنه لم يقدم خلال اجتماع للأجهزة الأمنية مثلا، بل فى لقاء لجنة حقوق الإنسان بمجلس الشعب. لا يقف الأمر عند هذا الحدّ ولا يقتصر على استثناء أو سقطة يمكن تجاوزها، فثمة مَن طالب بإعدام الرهائن الموجودين فى السجون ردا على كل عملية عنف يقوم بها آخرون خارجها!
أخيرا قررت الكتابة عن سياسة اتخاذ الرهائن من جديد، فقد ظهرت منذ أيام معدودة مبادرة قالت وسائل الإعلام إن الجماعة الإسلامية تقدمت بها، مستهدفة التهدئة فى سيناء. المبادرة تشتمل على عدة نقاط منها وقف العمليات المسلحة مقابل الإفراج عن غير المتورطين والحالات الصحية، إضافة إلى هؤلاء الذين اعتقلوا بطريقة عشوائية. أدهشنى أن تكون بعض عبارات الفقرة السالفة عناوين تستخدمها الصحف دون أن يلفت نظر القائمين عليها ما فيها من إساءة وتردٍّ وانحدار؛ على المستوى الأخلاقى من ناحية وعلى مستوى الحصافة السياسية من ناحية أخرى، فالسؤال الذى تستثيره هذه العبارات بصورة مباشرة هو: وماذا يفعل غير المتورطين والذين ألقى عليهم القبض بطريقة عشوائية داخل السجون؟ وكيف تجرى المقايضة بين الدولة وتيارات الإسلام السياسى والجماعات الجهادية وما فى حكمها بمثل هذه الفجاجة، وكأن الدولة تحولت إلى ما يشبه عصابة تحتجز الرهائن وتفاوض عليهم؟
***
يقدم المسلسل شخصية الإرهابى كشاب عادى، يشبه أى شخص؛ لا يلفت النظر ولا ينطق وجهه بأنه شرس قبيح، بل كان ناجحا متوازنا إلى حد بعيد فدفعته الظروف المعقدة المتشابكة والصدمات القوية إلى الالتحاق بجماعة مِن جماعات العنف الدينى. أثق أن مثله كثيرين، وأن السياسات المتبعة ستخلق كل يوم ألف «إرهابىٍّ» جديد.

بسمة عبد العزيز طبيبة وكاتبة
التعليقات