أى حدث مهم أو محورى فى التاريخ هناك من يؤيده وهناك من يعارضه، وقد تتعادل كفتا الميزان فى وقت من الاوقات، ثم يؤدى توالى الأحداث إلى ترجيح إحداها على الاخرى.
ويشكل ٣٠ يونيو نموذجا على ذلك. فى البداية كان هناك من يؤيده وهناك من يعارضه، ليس فقط محليا، بل أيضا إقليميا ودوليا، ثم توالت الأحداث والتطورات التى جعلت حجم التأييد له يفوق المعارضة. هناك سببان على الاقل لتفسير هذه الظاهرة. الأول هو حالة التخبط الإقليمى الشديد التى حدثت من جراء استشراء تيارات إسلامية لا تمتلك مشروعا تقدميا أو رؤية للمستقبل، بل تطرح اراء تشد المجتمعات إلى الخلف، دون أن تكون لديها القدرة على الدفاع عنها أو تبريرها. كل ذلك جعل أطرافا محلية وإقليمية ودولية تدرك أهمية ما حدث منذ ثمانى سنوات على الساحة المصرية. المسألة ليست فكرية أو ثقافية فحسب، لكنها سياسية وأمنية ايضا، ترتبط بانزلاق المجتمعات فى موجات من العنف والتمزق الاجتماعى. وقد أدت ٣٠ يونيو إلى سقوط قناعات كان يروج لها بشدة فى الدوائر الغربية بأن الشرق الاوسط الجديد يرتبط بصعود التيارات الاسلامية، باعتبارها الأكثر شعبية وهو ما ثبت خطأه بل وخطورته، حيث أن شعبية هذه التيارات فى مرحلة معينة بنيت على ضعف الدولة، وغياب التنمية بمختلف ابعادها، وتراجع العمل الثقافى، ولم تبن لأسباب ترتبط بقدرتها على طرح بدائل سياسية أو اقتصادية. السبب الثانى لتغليب كفة ميزان ٣٠ يونيو هو تخلى أطراف إقليمية ودولية عن معارضتها أو معاداتها. كانت فترة إدارة الرئيس ترامب حاسمة فى ذلك، وأدركت إدارة بايدن تشابك وتعقد الأوضاع اقليميا، وأن مصر لها دورها الإقليمى الذى لا تستطيع دولة اخرى أن تشغله، وهو ما ظهر واضحا فى أزمة غزة الأخيرة. وقد نشرت جيروساليم بوست منذ أيام تحليلا عن عودة مصر إلى مقعد القيادة فى محيطها العربى أشارت فيه إلى أن اختفاء مصر على حد وصف المقال بعد ٢٠١١ لم يكن فى صالح المنطقة.
والى جانب هذه الاعتبارات التى يختلط فيها المحلى مع الدولى، تظهر الدولة التى تقود التنمية، ومشروعات البنية الأساسية، وبرامج الحماية الاجتماعية، وتسعى إلى تحقيق الحقوق الاقتصادية والاجتماعية لمواطنيها عاملا أساسيا فى ترسيخ دعائم نموذج يسعى إلى بناء دولة تنموية فى محيط إقليمى شديد الاضطراب، بل ويبذل جهودا فى سبيل تحقيق الاستقرار والتعاون بين دول المنطقة.
بالطبع ستظل هناك تطلعات فى المستقبل ترتبط بتوسيع قاعدة المشاركة، ودمج الشباب فى العمل السياسى، ومواجهة التطرف ونشر الاستنارة الفكرية، والاهتمام بالسياسات على المستوى المحلى، بهدف تعميق مشاركة المواطن فى شئونه اليومية، وتشجيع المبادرات الاقتصادية والقطاع الخاص، وتطوير الاعلام، وغيرها من القضايا التى تتطلب حوارا وطنيا بين مختلف التيارات والاتجاهات، ولعل من أبرز نتائج ٣٠ يونيو، وما تلاها من تطورات، التأكيد على مفهوم أن المعارضة او تعدد الآراء النقدية لا يعنى الاصطفاف إلى جوار التيارات الإسلامية، بل هناك معارضة سياسية تمارس دورها فى نقد السياسات الحكومية، وفى الوقت ذاته ترفض الإسلام السياسى. وهى ظاهرة لم تكن واضحة قبل ٢٠١١، ولم يكن ينادى بها سوى فريق من اليسار وبعض المثقفين.