الكثير من منظمات وهيئات المجتمع المدنى والشبكات الأهلية تجتهد فى المرحلة الراهنة لتنفيذ برامج للتوعية تستهدف تمكين المواطنات والمواطنين من المشاركة الجادة فى الحياة السياسية كناخبين فى الاستفتاءات والانتخابات ومراقبين ومقيمين لأداء السلطات والأحزاب، معبرين عن مصالحهم وتفضيلاتهم بشأن هوية مصر دولة ومجتمع، إلا أن جهود المجتمع المدنى والشبكات الأهلية ستظل دوما قاصرة ما تعد السياسة إلى المدارس والجامعات.
فالتعليم المدرسى والجامعى هو الأداة الأساسية لإعداد وتأهيل المواطنين فى سن مناسبة للقيام بواجباتهم وتوعيتهم بحقوقهم، ولابد من إعادة النظر فى مناهج التعليم المدرسى والجامعى وإيجاد مساحة حقيقية للتناول النقدى لواجبات وحقوق المواطنين وللقضايا الوطنية والسياسية دون الوقوع فى فخ التنميط وخطأ الدعاية لنظام الحكم والحاكم، وهما صبغا المناهج المدرسية والجامعية خلال العقود الماضية (التربية القومية والتربية الوطنية وغيرهما).
عودة السياسة إلى المدرسة تعنى أيضا تمكين الطلاب فى المرحلتين الإعدادية والثانوية من تشكيل اتحاداتهم واختيار ممثليهم بحرية وإعطائهم بعض المهام فى إدارة الفصول والشئون التعليمية. فى العديد من المجتمعات، تنفتح إدارات المدارس الإعدادية والثانوية على عمليات تفاوض حقيقية مع الطلاب وتحدد بالشراكة معهم أهداف المناهج وطرق التعليم والتعلم. أهمية هذه الممارسة هى أنها تراكم لدى المواطنين وفى سن مبكرة خبرات التعبير الجماعى عن المصالح المشتركة والبحث عن توافق والتفاوض مع الإدارة وتحمل مسئولية الاختيار الجماعى والفردى. وجميعها خبرات وقيم تحتاجها المواطنة الواعية للمشاركة فى الحياة السياسية فيما بعد.
كذلك تعنى عودة السياسة إلى الجامعة تعميم الممارسات الانتخابية لتصبح القاعدة فى اختيار شاغلى المناصب الإدارية من الأساتذة الأكاديميين (رؤساء الجامعات والعمداء والوكلاء وغيرهم) وأساس اختيار اتحادات الطلاب وربما اتحادات العاملين بالجامعات. لن تعود السياسة إلى الجامعة بمجرد مناقشة حقوق وواجبات المواطنين وقضايا الساعة، بل لابد من أن تتحول الانتخابات إلى ظاهرة اعتيادية فى الجامعات شأنها فى ذلك شأن تغيير شاغلى المناصب الإدارية وممثلى الطلاب أو إبقائهم فى مواقعهم وفقا للأداء ومستويات النجاح والفشل.
علينا أيضا أن نسمح للأحزاب والتيارات السياسية المختلفة للتواجد العلنى فى الجامعة ووضع قواعد ضابطة. يمكن على سبيل المثال عقد منتديات دورية لمختلف الأحزاب السياسية دون تمييز بينها لعرض رؤاهم على الطلاب أو تنظيم مؤتمرات سنوية لقيادات الأحزاب وبرلمانييها بهدف الاستماع إلى قضايا الطلاب وهمومهم والتواصل معهم حول ما يتصورنه من حلول للقضايا الوطنية وقضايا الجامعة. فمرحلة التعليم الجامعى هى الأكثر إبداعا وحيوية فى مسيرة الإنسان المهنية والشخصية ولابد من الإفادة من ذلك للصالح العام.