حماية المجتمع من الإرهاب غير تحصين الفرد من التطرف.
حماية المجتمع من الشر الاستثنائى تتطلب قرارات استثنائية. الإرهاب يدخل فى بند الاستثناء الذى لا يصح التعامل معه بالأساليب العادية.
الجيش والشرطة يقفان فى قلب معركة حماية المجتمع، ويتحملان التضحيات، ولكن هل الساسة والإعلاميون ووجهاء الحياة العامة جادون فى دخول معركة «تحصين الفرد»؟
تحصين الفرد ضد التطرف يتطلب إجراءات غير استثنائية أو عابرة، لكن استراتيجيات ممتدة، تساعده على الفكر السليم، وتبعده عن طيش الغلو، والجمود، والتخلف.
التعليم له دور فى نشر التفكير النقدى، والتسامح، والمشاركة فى شئون المجتمع، وإذكاء الروح الوطنية عند الأجيال الجديدة.
الثقافة لها دور فى تشجيع استمتاع الفرد بالفنون، والإبداع فى النظر إلى الأشياء، وبناء ذهنية واعية قادرة على الإفراز بين الأشياء، واختيار ما تشاء بناء على رؤية وتفكير.
الإعلام له دور فى التوعية، والمساءلة، وتبصير الناس بحقائق الأشياء، وتشجيع الحوار حول الإفادة من الموارد، والتعبير عن الرأى.
المؤسسات الدينية تقدم الفكر الدينى العقلانى، الذى لا يخاصم الحياة، ولا ينفر الناس من مظاهر الابتهاج والسعادة، ويبعد عنهم شبح الاكتئاب والإحساس المفرط بالذنب، والتمسك بقشور الأشياء وشكلياتها على حساب عمق النظر إلى القضايا.
مؤسسات تطبيق القانون (شرطة، نيابة، محاكم) تحفظ للشخص حقه، وتفرض هيبة النظام، وترفع الجور على الضعيف، وتفرض المساواة فى المجتمع بالتطبيق العادل للقانون، وتحقيق العدالة الناجزة التى تحافظ على حقوق الأفراد.
مؤسسات المجتمع المدنى تطلق برامج التنمية، وترعى حقوق الفقراء والمهمشين، وتسعى إلى تمكينهم، وإيصال صوتهم إلى صانع القرار، وتوفر شبكات أمان اجتماعى تحتضن المواطن فى لحظات الضعف، والاهتزاز الاقتصادى والاجتماعى، وتشجيع المشاركة فى أطر حزبية ونقابية وأهلية.
للأسف تُرك المواطن لسنوات طويلة عشوائيا فى الشارع نهبا للتطرف، والتعليم التلقينى المتخلف، والخطابات الدينية الرجعية، والتهميش الاقتصادى والاجتماعى، والإعلام الذى يرفع منسوب التوتر والغضب والإثارة السياسية والجنسية لديه، والبلطجة التى تسلبه حقوقه دون أن يستطيع أن يستردها. لا نستغرب لو وجدنا هذا المواطن متطرفا، جاهلا، حمقا، عصبيا، متوترا، كارها لمجتمعه، لا يتورع عن الفساد طالما يجنى مكاسب من ورائه.
تحصين المواطن ضد التطرف مسئولية أطراف كثيرة، لا تتحمل وزارة الداخلية أو القوات المسلحة المسئولية وحدهما، ولا يصح أن نجبن عن المواجهة الحقيقية مع التطرف مكتفين بأحاديث الإعلام «الموسمية»، ومبادرات السياسيين فى الفضائيات دون النزول إلى الشارع، والاكتفاء بالمقالات التى تدبج للتنديد بالإرهاب، والدعوة إلى الصمود فى مواجهته.
الحادث المروع الذى أودى بحياة ما يربو على الثلاثين من خيرة أبناء القوات المسلحة فى شمال سيناء، وما سبقه من أحداث بلغ الشهداء فيها بالمئات تستحق من كل مؤسسات المجتمع مسئولية ونخوة لوضع استراتيجيات جادة ممتدة فى الإعلام والثقافة والتعليم والرعاية الاجتماعية والخطابات الدينية لتحصين المواطن من التطرف. إذا كان هؤلاء ضحوا بالفعل بأرواحهم، وغيرهم من زملائهم يقفون موقفهم غير عابئين بالأخطار المحدقة حولهم، فمن المفترض على «ذوى الياقات البيضاء» ألا يكتفوا بالخطابات الإعلامية الرنانة، ويدخلوا فى عمق المواجهة مع التطرف.