توظف السلطوية الحاكمة فى مصر مجموعة محددة من الأدوات لكى تخضع المواطن والمجتمع لإرادتها:
تجرم حرية تداول الحقائق والمعلومات.
تسيطر على المجال العام بمكوناته التقليدية المتمثلة فى وسائل الإعلام، وفى مساحات النقاش العلنية فى المدارس والجامعات، وفى مؤسسات التنشئة الدينية والمدنية.
تقمع المجتمع المدنى المستقل بمنظماته ونقاباته المهنية وحركاته العمالية ومبادرات المواطنين غير التقليدية، وتحاصر الجميع حصار الإلغاء أو الاستتباع.
تتعقب المعارضين، انتهاكا لحقوقهم وحرياتهم أو تهديدا بالانتهاك.
تهجر المواطن المتمسك بحرية الفكر وبالتعبير الحر عن الرأى بعيدا عن المجال العام، وتخضعه للتهديد المستمر بالقمع وتحيطه من ثم بأسوار الخوف.
تميت السياسة كنشاط سلمى وحر وتعددى يبتغى صناعة التوافق حول الأهداف المشتركة للناس وللمجتمع ولمؤسسات الدولة، وتفرض روايتها الأحادية التى تفتئت على الحقيقة، فتصنع من الحاكم الفرد بطلا منقذا لا يراقب أو يحاسب، ومن مؤسسات وأجهزة القمع الجهات الوحيدة القادرة على حماية الأمن القومى ودحر المؤامرات والمتآمرين، ومن الجرائم ضد الإنسانية والمظالم والانتهاكات عنوانا للحرب على الإرهاب، ومن رافضى الصمت على الظلم وغياب العدل خونة وعملاء وخارجين على القانون يقبل أن ينزل بهم «العقاب الجماعى» لتطهير البلاد من شرورهم.
غير أن ما توظفه السلطوية فى مصر من أدوات لتزييف وعى الناس وتهجيرهم بعيدا عن المجال العام مآله الفشل والإخفاق.
فالتكنولوجيات الحديثة، وكما تمكن الأجهزة الأمنية والاستخباراتية من المراقبة الدائمة للمواطن والتنصت المستمر عليه، تمكن أيضا من تداول الحقائق والمعلومات وتسمح للمواطن إن رغب بتحدى القيود القانونية والإدارية الكثيرة التى تفرضها السلطوية.
والمجال العام لم يعد يقبل الاختزال إلى وسائل الإعلام التقليدية ومساحات النقاش العلنية المسيطر عليها حكوميا وأصبح يتسع لوسائط الاتصال الاجتماعى ولساحات للنقاش تضمن درجة متميزة من حرية الفكر وحرية التعبير عن الرأى ومن التعددية.
والكثير من المجموعات المدافعة عن الحقوق والحريات والديمقراطية، على الرغم من حصار الإلغاء والتخوين والتشويه الذى تواجهه، تستثمر بوعى بعضا من طاقاتها المعرفية وإمكانياتها البشرية وقدراتها التنظيمية فى تدوين تفاصيل إدارة السلطوية لشؤون البلاد ــ من التفويض الشعبى إلى برلمان «نواب الأجهزة والمال» ولجنة تنمية الضمير والأخلاق، وفى السعى إلى نزع طبقات الزيف المتراكمة عن المظالم والانتهاكات لكى تراها قطاعات تتسع باطراد من الناس وتدرك كونها ممارسات قمعية يستحيل تبريرها.
السلطوية مصيرها الفشل، وروايتها الأحادية لا جمهور دائم لها.