٧٠ بالمائة من اللبنانيين لا يملكون ثمن الدواء، حسب رئيس لجنة الصحة فى مجلس النواب اللبنانى، هذا إذا وجد الدواء بالطبع. ممثلة اليونيسف فى بيروت عرضت لتأثير الأزمة، الأزمة الناتجة عن تدهور الظروف المعيشية، على صحة الأطفال وارتفاع نسبة الذين يعانون من الجوع وسوء التغذية بينهم، مع الإشارة إلى أن ٣٤ بالمائة من الأطفال لم يتلقوا الرعاية الصحية التى احتاجوا إليها.
لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الاسكوا) أشارت إلى أن ٧٤ بالمائة من اللبنانيين يعيشون فى الفقر وأن النسبة تصل إلى ٨٢ بالمائة إذا أخذنا بعين الاعتبار ما يعرف بالفقر المتعدد الأبعاد (الاجتماعى والصحى والخدمات العامة). وللتذكير فالبطاقة التمويلية ما زالت على طاولة البحث بانتظار وضعها موضع التنفيذ. وقد وصل الدين العام إلى 98,2 مليار دولار نهاية شهر تموز (يوليو). وبدأنا نسمع عن مراكب الهجرة أو مراكب الموت تحمل المواطنين الهاربين من «الجحيم اللبنانى» ذات الأفق المسدود، والطالبين الحياة الكريمة لهم ولعائلاتهم حيث أمكن، كما حصل ويحصل فى دول عاشت أو تعيش أوضاعا مشابهة.
على صعيد آخر، نرى حكومة تعيش حالة من الشلل غداة ولادتها وفى لحظة نحن فى أكثر حاجة إليها للعمل على منع الانفجار الكبير والانهيار المجتمعى الشامل فى أبعاده. الأمر الذى دفع المؤسسات الدولية المعنية والعديد من الدول الصديقة إلى دعم هذه الحكومة، رغم الاختلافات السياسية بالنسبة لبعض الداعمين بغية منع الانهيار وهو الشرط الأكثر من ضرورى لإعادة البناء والإصلاح الشامل المطلوب الذى دونه سيغرق «المركب اللبنانى». لكن لعبة «الفيتو» أو خلق الأزمات وإحداث الشلل السياسى خاصة على الصعيد العملى، تحقيقا لأهداف معينة، رغم حراجة الأوضاع والتكاليف الهائلة لهكذا أزمة، فى لحظات أقل ما يقال فيها إن هنالك حاجة للعمل وللفعل الإنقاذى، تبقى سمة أساسية فى إدارة اللعبة السياسية فى لبنان. اللعبة التى يتحكم بها نظام يقوم فى الواقع وعلى الصعيد الفعلى والعملى على فيدرالية المذهبيات السياسية. لعبة توازن القوى بين أطرافها فى مرحلة معينة. لعبة تسمح بإحداث شلل فى السلطة فى لحظة يكون فيها الوطن بأمس الحاجة لاتخاذ قرارات ذات تداعيات وطنية كبيرة. يحدث ذلك فيما تبقى الرهانات دائما على الخارج، على انتصار الحليف أو الصديق والتوصل إلى تفاهمات خارجية تنعكس فى تسوية الأزمة داخليا وفك الشلل الحاصل. تسويات علمتنا دروس الماضى القريب والبعيد أنها تبقى هشة ومرحلية أيا كانت مرحلتها الزمنية. ولذلك تبقى الرهانات على الصدامات والمواجهات المختلفة المباشرة وغير المباشرة فى المنطقة، وكذلك على الحوارات والمفاوضات الحاصلة والمنتظرة لتحقيق الأهداف المرجوة داخليا.
إنه نوع من القدرية السياسية طبع ويطبع اللعبة السياسية فى لبنان، حيث العنصر الخارجى يبقى طاغيا بسبب هشاشة التركيبة السياسية الداخلية وانقساماتها الحادة. التفاهم الخارجى ضرورى ولكنه ليس بكاف خاصة فى ظل طبيعة الأزمة المتعددة الأسباب والأوجه التى يعيشها لبنان والحاجة إلى إصلاحات جذرية وشاملة تطال مختلف أوجه النظام اللبنانى فى حين أن عنصر الوقت عنصر ضاغط مع اشتداد حدة الأزمة وازدياد تكلفة تداعياتها مع الوقت كما أشرنا.
يغرق المركب والنقاش السياسى يزداد حول السيناريوهات الممكنة بشأن الانتخابات النيابية القادمة بين أذار (مارس) وأيار (مايو) والخلافات حول التوقيت واحتمال عدم حصولها. يواكب ذلك أيضا النقاش حول الانتخابات الرئاسية فى أقل من عام والسيناريوهات المحتملة فيما لو لم يتم انتخاب رئيس، أيا كانت الأسباب، بناء على تجربة ٢٠١٤، وحرب «الاجتهادات الدستورية» حول من يتولى صلاحيات الرئيس. كل ذلك يدل على أننا نواجه فى أسوأ لحظاتنا أزمة نظام أيضا، ستطل برأسها قريبا ونحن نقترب من الاستحقاقات المشار إليها.