فى نهاية العام، أتأمل المشاهد، والفتاوى، والآراء المكررة والمملة التى تتعلق بالاحتفال بالأعياد، وجواز تهنئة غير المسلمين، من عدمه، فأزداد اقتناعا بأن المجتمع المصرى برمته، مهما اختلفت معتقدات أبنائه يحيون حالات ثلاثا من التدين، ويغيب عنهم ما يمكن أن نسميه «التدين التقدمى».
التدين الأول: هو تدين فرسان المعبد، الذين يظهرون بمظهر المدافعين عن العقائد، والمحاربين للبدع، والهرطقات، ويواجهون غيرهم ممن يتهمونهم بالسعى إلى إفساد عقيدة الأمة. هؤلاء مثل المحاربين أو الفرسان يقفون أمام المعابد، يحاربون ويقاتلون، لكنهم لا يدخلونها بأرجلهم.
التدين الثانى: هو تدين المنافقين، الذين يظهرون شكل التعبد دون ممارسة عمق الإيمان، يهتمون بالشكل، رأى الناس، مظهر الورع والتقوى، فى حين أن فى ممارستهم لا يعرفون إيمانا ولا دينا. يتعبدون، ويثرثرون عن التدين، فى حين لا يتورعون عن تقاضى رشوة، أو الكذب أو الإساءة للغير، أو الادعاء خلاف الحقيقة، أو خيانة الأمانة، الخ.
التدين الثالث: هو الاكتفاء بالديانة فى بطاقة الرقم القومى، فى حين يعيش الشخص حالة من حالات الابتعاد عن الدين، ويجاهر بذلك أو يدارى مشاعره، لكنه فى النهاية «غير متدين» بالتعبير الدارج.
أزمة المجتمع المصرى فى الأشكال الثلاثة من التدين. تدين الفرسان، الذى ينشر الكراهية والخصام. وتدين المنافقين، الذى يفسد شكل الدين. وغياب التدين، الذى يفسد قيم المجتمع.
التدين التقدمى الذى أدعو إليه، لا علاقة له باليسار ولا بالاشتراكية، وإنما وصف التقدم المرافق له يتعلق بالنظرة المتفائلة للمستقبل، والتطلع العميق نحو الاستمتاع بالحياة، والاحتفال بالتعددية الإنسانية. التدين الذى يقدمه فرسان المعبد«عابس»، والتدين الذى يقدمه المنافقون «مراوغ»، وبينهما العابثون الذين يديرون ظهورهم للدين، ولكن التدين الذى نريده فى المجتمع هو تدين المواطن الذى يريد العدالة واحترام الحقوق، ويحافظ على النظام، ويسعى إلى تحقيق النقاء فى المجتمع، لا ينظر للدين على أنه ساحة حرب بل مساحة تلقى بين المختلفين فى المعتقدات، ولا ينظر للدين على أنه تكئة فى مجتمع تقليدى منافق بهدف تحقيق المكاسب الشخصية، ولكنه تدين منفتح، يرى فى كل المعتقدات قيما جميلة يمكن تعلمها. وفى كل المذاهب ومضات مشعة يمكن التقاطها، وبالمؤمنين بها تنوعا حرص عليه مبدع الكون والإنسان..
إننى أشعر بالأسى من حال مجتمع يؤرقه أن يصادق أو يهنئ المرء المختلف معه فى المعتقد الدينى، فى حين يتسامح مع مشاهد الفساد والانحلال كل لحظة، ويرتكب بنفسه سوءات مروعة. لا تحدثنى عن دين أو تدين، فلم يكن يوما الدين مدعاة لكراهية، ولم ينتدب الله متحدثا باسمه، ولم يدع البشر لقتال بعضهم بعضا لنصرة معتقد، ولم يدع أبدا، وحاشا لله، أن يكره إنسان آخر لأى سبب من الأسباب. دعاة الكراهية، والمنافقون، والنصابون باسم الدين، والمدعون، هؤلاء جميعا ابتلى بهم المجتمع، ولا أمل فى التقدم إلا بالثورة على أنفسنا لنرى فى أى مستنقع نهوى، فالدين جمال ونور، وليس كراهية وبغضاء.
ســـامـــح فــــوزي