لا أخفى انزعاجا من التوسع فى استخدام مصطلح «الصوت القبطى» أو «الصوت المسيحى» فى الانتخابات، وهو ما درجت عليه فضائيات وصحف فى الفترة الأخيرة لأن ذلك يهدم أساس بناء المجتمع الديمقراطى من ناحية، ويضر بالأقباط أنفسهم من ناحية أخرى.
القول بوجود «صوت قبطى» يستدعى بالضرورة وجود «صوت إسلامى»، مكافئ ومعادل له، وهو أمر جد خطير لأنه يقسم المواطنين فى المجتمع تبعا لهويتهم الدينية، فى حين أن الواقع يشهد تنوعهم على خلفية الانتماء المهنى، والموقف السياسى، والوضع الاقتصادى، والمكانة الاجتماعية، والوعى الثقافى.
القول بوجود «صوت قبطى» يعنى أن المجتمع يعيش مرحلة ما قبل الدولة الحديثة، ويستعيد علاقات الطائفة والقبيلة والعشيرة، ويستعيض بالمبايعة عن الانتخابات التنافسية.
القول بوجود «صوت قبطى» يهدم ضمنيا روحية ثورة 30 يونيو، التى قامت فى الأساس ضد جماعة سياسية استخدمت الحشد والتعبئة والفرز على أساس دينى.
القول بوجود «صوت قبطى» يلغى التنوع وسط الأقباط، ويحولهم إلى كتلة واحدة، تتحرك آليا ومكيانيكيا بواسطة المؤسسة الكنسية، بوصفها المؤسسة الوحيدة التى تجمع الأقباط على اختلافهم وتنوعهم، وهو ما يفضى فى النهاية إلى إرتباك المشهد برمته حين تتداخل أدوار المؤسسات، وتغيب عنها وظائفها الأساسية.
القول بوجود «صوت قبطى» يعنى أن المجتمع لم يتغير. لا يزال نظام مبارك يرى فى الأقباط كتلة واحدة، تعبر عنهم المؤسسة الكنسية، ولا يزال نظام مرسى يعتبر الأقباط طائفة فى المجتمع يعيشون فى ظل تقاليد غابرة كانت الدولة فيها طوائف، وليسوا مواطنين كاملى الإرادة والمواطنة.
التحول الحقيقى يكون فى تغيير الذهن، أسلوب العمل، العلاقات المتبادلة، وليس فى تغيير الشخوص والمسميات. إذا أردنا أن يكون الأقباط مواطنين علينا أن ننظر إليهم على أنهم متنوعون ومختلفون، لا يصح حشرهم فى خندق واحد تحت أى مسمى، ولا ينبغى أن يستسهل الأقباط أنفسهم ذلك لأن نتائجه سلبية على المدى البعيد.
ثورة 30 يونيو، ومن قبلها ثورة 25 يناير، حطمت أوهاما كثيرة، ومهدت الطريق أمام علاقات مواطنة صحية فى المجتمع. حرقت كنائس ومنشآت الأقباط ولم يطلقوا طلقة واحدة، مما أسقط الدعاية السوداء بأن فى الكنائس أسلحة، ورفضوا التدخل الخارجى، مما أسقط كذلك المزاعم بأن الأقباط يطلبون الحماية الخارجية، وتخلوا عن الحديث عن «الهم الخاص» فى سبيل تحقيق «الهم الوطنى العام» مما أسقط عنهم تهمة الطائفية. وبالتالى لم يعد أمامهم سوى الاندماج فى المجتمع بوصفهم مواطنين، وليسوا طائفة أو أقلية أو رعايا. ومن أسس الاندماج أن يختلفوا حسب موقعهم المهنى والثقافى والاقتصادى والسياسى، مما يجعلهم يلتقون بأقرانهم المواطنين المسلمين الذين يشاركونهم الهم المهنى، أو الوضع الاقتصادى، أو الهدف السياسى. لا مجال لتديين المشهد، أو تقسيم المجتمع مرة أخرى على أساس دينى. وإلا لماذا ثار المصريون على حكم الإخوان المسلمين؟
قد يكون لدى غالبية الأقباط ميل إلى مرشح معين فى الانتخابات الرئاسية، هذا حقهم من واقع تقييمهم للمرحلة، واشتراطاتها، ومستقبل الوطن. قطاع عريض من المسلمين يشاركونهم ذات الميل لنفس البواعث والأسباب، فلماذا إذن تظهر نغمة «الصوت القبطى»، هل يخدم ذلك التجربة السياسية أم يصب فى النهاية فى مصلحة الرافضين لخارطة الطريق؟