تمثال طه حسين الحائر - سيد محمود - بوابة الشروق
السبت 21 ديسمبر 2024 5:36 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تمثال طه حسين الحائر

نشر فى : الثلاثاء 30 أكتوبر 2018 - 10:55 م | آخر تحديث : الثلاثاء 30 أكتوبر 2018 - 10:55 م

الاول من امس مرت الذكرى الخامسة والأربعون لرحيل طه حسين عميد الأدب العربى ولا نزال بعد هذا التاريخ نفكر فيما يمكن أن نفعله من اجل تخليد ذكراه، وبعد مرور تلك السنوات يبدو أن العميد انتصر على منتقديه من المتعصبين والمحافظين وفاضت بصيرته على ظلام أيامنا، لكنه للأسف لم ينتصر على البيروقراطية المصرية التى حاصرته حيا وميتا، فلم تفكر مؤسسة ثقافية واحدة من تلك المؤسسات المشغولة بالقوى الناعمة فى إحياء ذكراه وكلها عملت «ودن من طين وودن من عجين» رغم ان اغلبها يواصل طبع اعماله دون مراجعة أو تبويب أو تصنيف وربما ايضا دون دفع حقوق النشر التى تتساهل أسرته بغرض اتاحة الاعمال لشريحة أوسع من القراء، كذلك لم تفكر واحدة من جامعاتنا الكبيرة فى إقامة ندوة احتفالية حول تجربة رجل وهب حياته لقضايا التعليم والمعرفة ومواجهة الخرافة.

نحتاج لندوة تراجع السيرة والمسيرة وتطرح حولها اسئلة جديدة تزيل عنها الطابع الأسطورى وتحفظ لها شرط القيمة ومعيار الريادة والإجادة وتبقى فيها على معنى المعجزة وقيمة التجربة التى تصلح دائما كإلهام.

وتداول نشطاء مواقع التواصل الاجتماعى فى ذكرى العميد صورا لاستراحته فى قرية تونا الجبل وهى التى جرى استعمالها فى تصوير الفيلم الشهير «دعاء الكروان» للمخرج العظيم بركات.

وكلنا نعلم أن بركات ترك لنا ضمن الفيلم وثيقة صوتية نادرة بصوت طه حسين كمعلق على الأحداث وهو صوت لا مثيل لعذوبته لكن بركات لم يترك لنا وصفة للتعامل مع الاستراحة المغلقة بالضفة والمفتاح وهى وفق زوارها فى حالة يرثى لها وكان بالإمكان تحويلها لمتحف ولم يحدث هذا طوال ٤٥ عاما، وقد اقترح الكاتب الصديق وجدى الكومى ترميمها وإعدادها كفندق يخصص لإقامة الابداعية بحيث يجرى تخصيصه لإقامة المبدعين فى نظام المنح المدفوعة وهو نظام معمول به فى دول كثيرة من العالم لكنه لم يصل مصر إلى الآن.

وتبدو سيرة طه حسين مع التعليم الذى طالب بأن يكون كالماء والهواء مأساوية هى الاخرى فوزير المعارف فى حكومة الوفد عام ١٩٥٠ الذى أنجز مجانية التعليم حتى المرحلة الثانوية محاصر فى وزارة التعليم التى لم تفكر فى تدريس نص آخر لطه حسين فى مدارسها بعد (الايام) الذى لا يبدو مناسبا من وجهة نظرى للشريحة السنية التى تدرسه، هذا بخلاف ما تعرض له هو الآخر من إساءة وتشويه وسوء فهم أكثر من مرة من قبل مفتشى الوزارة الذين ساءهم قبل عشر سنوات ما ورد فى السيرة الشهيرة من انتقادات وجهها الفتى / الراوى لشيوخ الأزهر فى بداية القرن العشرين.

ولعل أغرب القصص المرتبط بسيرة طه حسين قصة المصير الذى يعانيه تمثاله الذى نحته الفنان الراحل الكبير عبدالهادى الوشاحى (1936 ــ 2013) وجسد فيه عميد الأدب العربى جالسا فى أناقة وشموخ وذراعان تمتدان على نحو يرمز لعطاء الفكر والقلم، ويتسلل الضوء من فجوات فى رأس التمثال إلى منطقة العينين، فيشع منهما نورا يظهر حرص الفنان على إبراز «البصيرة» رغم «كف البصر وفِى جلسته على مقعد العميد يبدو على وشك النهوض فى دلالة على ارتباط أفكاره بالرغبة فى التقدم وإحداث قفزة

وقد سمى صديقى النحات شريف عبدالبديع هذا التمثال بالتمثال الحائر، لأنه لم يستقر إلى الان فى مكان
ورغم وجود نسخة منه فى مدخل قصر الفنون بدار الاوبرا فى الوقت الحالى الا اننا لا نعلم إن كانت ستبقى أم أن وجودها مرتبط بحدث الاحتفال بمرور ٦٠ عاما على تأسيس وزارة الثقافة.

تجاوز عمر التمثال ١٥ عاما ومنذ تم تكليف الفنان الراحل بإنجازه وهو يعانى من مشكلات بدأت بنزاع شهير بين الوشاحى وبين وزارة الثقافة لأنه لم ينجز العمل فى الموعد المتفق عليه مما دفع الوزارة للقبول بتمثال آخر تمت إقامته فى ميدان الجلاء وتعرض لموجة انتقادات لا تزال مستمرة إلى اليوم وحينذاك انتصرت البيروقراطية على الوزير الفنان الذى كان يقدر الوشاحى فنيا ولم ينقذه من البيروقراطية التى اشترطت الالتزام بالإجراءات واللوائح.

ورغم فوز الوشاحى بجائزة الدولة التقديرية قبيل وفاته إلا أن تلك الجائزة لم تشفع له وللتمثال الذى أنجزه واضطرت أسرته بعد «الدوخة» ان تهديه لمكتبة الاسكندرية بمناسبة مرور 15 عاما على افتتاحها رسميا. وقرأت تصريحات صحفية بهذا المعنى لابنه الاستاذ سيف الوشاحى نشرتها صحيفة (الوطن)، ولا اعلم لماذا تأخرت عملية نصب التمثال فى ساحة المكتبة إلى الان والخوف كل الخوف أن تتكرر مجددا لعبة التصريحات والترحيبات ولا نجد التمثال مرة أخرى، خاصة أن عملية ظهوره للمرة الأولى تمت خلال معرض استعادى كبير لأعمال الوشاحى فى 2014 بقاعة أفق، وصاحبتها موجة من الحماس وقرأنا وقتها ان أسرة الفنان وافقت على صب التمثال بمادة البرونز ووضعه داخل جامعة القاهرة ونال وقتها موافقات وزارية لكن لم يحدث أى تفعيل لهذا القرار حتى الآن.

رغم وجود رئيس هو الدكتور جابر نصار لها اعلن مرارا تحمسه للتنوير ولرمز التنوير، كما جاء على رأس وزارة الثقافة وزيرا من تلاميذ العميد وأبرز دارسيه هو الدكتور جابر عصفور لكنه أخفق أيضا فى إقامة التمثال داخل الجامعة وكان من بين المتحمسين لتلك الفكرة التى ولدت يوم افتتاح المعرض وكنت ساعتها إلى جوار الدكتور صابر عرب وزير الثقافة آنذاك وعلمت انه وافق على دراسة اقتراح الدكتور عماد أبوغازى وزير الثقافة السابق بأن يوضع التمثال فى الميدان المقابل لنهضة مصر أمام جامعة القاهرة وهو التمثال الذى نحته الفنان الراحل محمود مختار رائد النحت المصرى الحديث وقد كلف عرب الفنان صلاح المليجى رئيس قطاع الفنون التشكيلية ايامها بدراسة تكلفة صب التمثال بالبرونز، ووضعه داخل الجامعة بوصفه (عمل وطنى رائع يخلد ذكرى طه حسين وأعمال الوشاحى) لكن راحت السكرة وبقيت الفكرة.
ولا احد يعلم إلى الان لماذا تعثرت الفكرة وبقى التمثال حائرا؟