يتناول كاتب المقال سام وينتر ليفى الدور المحورى للذكاء الاصطناعى فى إضافة قوة اقتصادية أخرى للسعودية والإمارات العربية بجانب ثرواتهما النفطية. لأنهما يعتبران شركاء مغريين بالنسبة لشركات الذكاء الاصطناعى الأمريكية، المتعطشة لرأس المال والطاقة. ويرى بعض صناع السياسات فى واشنطن أن محاولة إغراء دول الخليج بعيدا عن الصين ــ للوصول إلى قوة الحوسبة الأمريكية ــ وتعميق التحالف المناهض لإيران فى الشرق الأوسط فرصة لا تتكرر إلا مرة واحدة. إذن يتعين على الولايات المتحدة وشركاتها التكنولوجية أن تتعاون مع دول الخليج فى مجال الذكاء الاصطناعى، ولكن تعاون ضمن حدود ومع ضمانات.
يؤكد الكاتب على أن اهتمام الدولتين الخليجيتين بالذكاء الاصطناعى ليس جديدًا، لكنه تكثف فى الأشهر الأخيرة. تخطط المملكة العربية السعودية لإنشاء صندوق بقيمة 40 مليار دولار للاستثمار فى الذكاء الاصطناعى. وفى عام 2019، أطلقت الإمارات العربية المتحدة أول جامعة فى العالم مخصصة للذكاء الاصطناعى، ومنذ عام 2021، تضاعف عدد العاملين فى مجال الذكاء الاصطناعى فى البلاد أربع مرات، وفقًا لأرقام حكومية. كما أصدرت الإمارات سلسلة من نماذج اللغة الكبيرة مفتوحة المصدر التى تدعى أنها تنافس نماذج جوجل وميتا.
من جانبها، استجابت شركات التكنولوجيا الأمريكية لهذا الاهتمام التكنولوجى بشغف. فالبنية الأساسية المطلوبة لتدريب أحدث جيل من نماذج الذكاء الاصطناعى تتطلب كميات هائلة من الطاقة ورأس المال والأراضى ــ وهى عوامل تتمتع بها دول الخليج بوفرة. وتحدث الرئيس التنفيذى لشركة أوبن إيه آى، سام ألتمان، مع مستثمرين فى الإمارات العربية المتحدة حول استثمارات بمليارات الدولارات فى الرقائق ومراكز البيانات. كما طرح كبار المسئولين التنفيذيين فى شركتى أشباه الموصلات العملاقتين سيميكوندكتور مانوفاكتشرنج وسامسونج فكرة بناء مصانع فى الإمارات. وأعلنت أمازون عن استثمار بقيمة 5.3 مليار دولار فى مراكز البيانات فى المملكة العربية السعودية فى وقت سابق من هذا العام.
على صعيد آخر، يرى بعض صناع السياسات فى واشنطن أن التعاون مع دول الخليج فى مجال الذكاء الاصطناعى يعد فرصة استراتيجية باستغلال وعد الوصول إلى قوة الحوسبة الأمريكية لجذب دول الخليج بعيدا عن النظام التكنولوجى الصينى. وتريد الولايات المتحدة تعزيز علاقتها مع أكبر مصدرى النفط فى العالم وتعميق التحالف المناهض لإيران فى الشرق الأوسط. إضافة إلى تمتع كل من السعودية والإمارات بنفوذ قوى فى المنطقة العربية وخارجها- ففى عام 2023، أعلنت الإمارات العربية المتحدة عن استثمارات بقيمة 45 مليار دولار فى إفريقيا، وهو ما يتجاوز بكثير الإنفاق الصينى هناك فى ذلك العام. ومن مصلحة واشنطن أن تستثمر الجهات الفاعلة فى الخليج مبالغ ضخمة من رأس مالها فى شركات التكنولوجيا الأمريكية بدلا من الشركات الصينية.
• • •
لم تمنع الفرصة الاقتصادية والجيوسياسية للتعاون التكنولوجى فى الخليج واشنطن من الشعور بالقلق من نقل مجموعات كبيرة من شرائح الذكاء الاصطناعى المتقدمة إلى أنظمة استبدادية (الصين) تتمتع بأنظمة مراقبة معقدة، لذا ترى واشنطن أن توسيع العلاقات مع الصين يشكل مخاطر كبيرة. فى ضوء ما سبق ذكره، أعرب المشرعون ومسئولو البنتاجون عن قلقهم من أن الشركات الصينية المرتبطة بجيش التحرير الشعبى قد تتمكن من الوصول إلى هذه الشرائح من خلال مراكز البيانات فى الشرق الأوسط كوسيلة للالتفاف على ضوابط التصدير الأمريكية التى سعت إلى تقييد وصول الصين إلى تكنولوجيا الذكاء الاصطناعى المتطورة.
من جانبها، بذلت الإمارات العربية المتحدة جهودا جادة لتهدئة هذه المخاوف بتصوير نفسها الوصية المسئولة عن تكنولوجيا الذكاء الاصطناعى الأمريكية. ووفقا للتقارير العامة، تعهدت الإمارات العربية المتحدة بإغلاق مراكز البيانات الخاصة بها، وتجريدها من الأجهزة الصينية إذا ثبت عدم التزامها بالمعايير.
• • •
يرى ليفى أنه حتى فى مواجهة مثل هذا الخطر، لا ينبغى للولايات المتحدة أن تفرض حظرا شاملا على جميع مبيعات رقائق الذكاء الاصطناعى المتقدمة إلى الخليج. ويعتقد العديد من القوى الناشئة، إن لم يكن معظمها، أنها قادرة على تحقيق التوازن فى العلاقات مع كل من الولايات المتحدة والصين، وينبغى لصناع السياسات فى الولايات المتحدة أن يكبحوا أنفسهم عن الضغط على القوى الإقليمية لحملها على اتخاذ خيارات محصلتها صفر. فلن يخدم مصالح الولايات المتحدة الدفع بمليارات الدولارات من أموال الخليج نحو مشاريع تعمل على تسريع التقدم التكنولوجى فى الصين.
إذن لابد أن يمضى صناع السياسات فى واشنطن قدما فى مفاوضاتهم مع دول الخليج بشأن صادرات الرقائق الإلكترونية دون أى أوهام حول مخاطر هذا التعاون. إضافة إلى الإدراك التام بأن دول الخليج لن تقطع علاقاتها مع الصين إلا فى مجالات ضيقة النطاق، وحتى فى هذه الحالة فإن هذه القرارات سوف تظل مفتوحة دائما لإعادة التفاوض. ويضيف الكاتب أن غياب الجهود الجادة للتخفيف من مخاطر التعاون مع الصين فى شكل استثمارات مستدامة فى كل من الأمن المادى والأمن السيبرانى يعنى بناء مراكز بيانات ضخمة فى الدول غير الحليفة مما يزيد من مخاطر سرقة الملكية الفكرية وإساءة استخدامها. ويقول الكاتب إن الولايات المتحدة ستحتاج إلى تخصيص الموارد لمراقبة الامتثال لأى صفقات تتوصل إليها وإنفاذها.
خلاصة القول، يرى الكاتب أن الولايات المتحدة ستواجه تحديات فى عصر دبلوماسية الذكاء الاصطناعى، لذا سوف يتعين عليها السيطرة على انتشار التقنيات التى قد يكون لها آثار أمنية خطرة دون إجبار الشركات الأميركية على الركوع أو دفع الشركاء المحتملين إلى أحضان الصين.
سام وينتر ليفى
مجلة «فورين أفيرز»
ترجمة وتلخيص: وفاء هانى عمر
النص الأصلى:
https://tinyurl.com/dndjju38