لكى لا تضار مصر - عمرو حمزاوي - بوابة الشروق
السبت 21 ديسمبر 2024 8:27 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

لكى لا تضار مصر

نشر فى : الخميس 31 يوليه 2014 - 8:20 ص | آخر تحديث : الخميس 31 يوليه 2014 - 8:20 ص

لن تتجاوز مصر وضعية الأزمة الراهنة، ما لم نقوى على إدارة الاختلاف سلميا وبتعددية تعترف بوجود الرأى الآخر.

جيد لمصر أن نختلف بشأن قضايا الداخل، ولست من الذين يرون الكثير من الضرر فى تناقض المواقف بشأن منظومة الحكم / السلطة أو فى التصنيف الحاد للرأى الآخر ـ هؤلاء يرمون بثورية زائفة وآخرون يدفعون بليبرالية سطحية وأفكار يسار مثالية، ونحن نوظف مفردات كالفاشية والشعبوية والانقلاب على الديمقراطية والحقوق والحريات.

جيد لمصر أن نختلف بشأن القضايا الإقليمية، ولست من الذين يرون الكثير من الضرر فى اللغة الحادة المستخدمة اليوم بين من يطالبون بتجاهل غزة والابتعاد عن قضايا فلسطين واختزال الأوضاع المتفجرة فى المشرق العربى إلى تحديات أمنية وتحالف مع دول مجلس التعاون الخليجى (باستثناء قطر) ويقصرون الأمن القومى المصرى على مواجهة الإرهاب والعنف، وبين من يريدون لمصر أن تسهم فى رفع الحصار عن غزة وحماية أهلها دون توريط للجيش المصرى أو تهديد للأمن القومى وأن تنتصر لحق تقرير المصير للشعب الفلسطينى وأن تدرك أن عبء تقديم نموذج ناجح وجذاب للدولة الوطنية الديمقراطية يقع عليها وليس على غيرها وأن الأمن القومى لا يختزل إلا الإرهاب والعنف فقط بل يتجاوزهما إلى التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية والديمقراطية ـ والحقيقة أن وضعية الاستقطاب الحادة فى مصر اليوم لم يكن لها مثلا إلا أن تنتج التناقضات والتجاذبات الراهنة بشأن غزة وفلسطين، ولم يكن لها إلا أن ترتب إصرار الكثير من الكتاب والسياسيين على التعبير الحاد عن وجهة نظرهم (ولا أستثنى نفسى، عزيزى القارئ، إن وجدت فى مقالات الأيام الماضية شيئا من الحدة).

جيد لمصر ان نختلف بشأن النظرة إلى العالم الخارجى ـ فالبعض يجد دوما دلائل لتآمر الولايات المتحدة خصوصا والغرب عموما على مصر وعلى الدول الوطنية فى العالم العربى، والبعض الآخر يرى تحالفات مصالح داخلية وإقليمية ودولية وراء الانقلاب على الديمقراطية وتجديد دماء الاستبداد فى مصر ووراء تفتيت الدول الوطنية فى العراق وسوريا وليبيا وغياب الاستقرار وضعف معدلات التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية فى معظم البلدان الأخرى.

إلا أن مصر تضار، حين تمتنع قطاعات مؤثرة فى النخب الفكرية والسياسية والإعلامية عن الاعتراف بوجود الرأى الآخر وتتورط فى التخوين والتعريض والتشويه وبمفردات لغوية تتجاوز الحدة إلى الصيغ الاتهامية والإلغاء المتبادل.

مصر تضار، حين يحول الاختلاف بيننا وبين رؤية القواسم المشتركة إن بشأن قضايا الداخل التى تستدعى منظومة فكرية وسياسية متكاملة تسعى للتنمية وللعدالة وللديمقراطية وبالقطع للأمن والاستقرار، أو بشأن القضايا الإقليمية التى تحتاج أيضا للمزج بين إنقاذ الدول الوطنية والدفاع عن حق فلسطين فى الوجود ومكافحة الإرهاب والعنف مع مواجهة الاستبداد والسلطوية، أو بشأن النظرة إلى العالم وهو بقواه الكبرى ومصالحه ليس بالشر المطلق أو الخير المطلق.

مصر تضار، حين يمنعنا الاختلاف عن التضامن الإنسانى مع شهداء الإجرام الإرهابى فى الفرافرة وسيناء وفى أماكن أخرى أو عن التضامن مع ضحايا انتهاكات الحقوق والحريات والعنف الرسمى المفرط أو عن التضامن مع ضحايا الإجرام والعنف فى الموصل العراقية وغزة وليبيا وغيرهم.

مصر تضار، حين يتردى النقاش العام إلى تسجيل للمواقف دون معلومات / حقائق / أفكار تدفع إلى الأمام أو إلى صيغ اتهامية وإلغائية متبادلة لا تعتبر لا بالقيم الأخلاقية ولا مقومات الحوار المتحضر. مصر تضار، وإنسانيتنا أيضا.

عمرو حمزاوي أستاذ علوم سياسية، وباحث بجامعة ستانفورد. درس العلوم السياسية والدراسات التنموية في القاهرة، لاهاي، وبرلين، وحصل على درجة الدكتوراة في فلسفة العلوم السياسية من جامعة برلين في ألمانيا. بين عامي 2005 و2009 عمل كباحث أول لسياسات الشرق الأوسط في وقفية كارنيجي للسلام الدولي (واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية)، وشغل بين عامي 2009 و2010 منصب مدير الأبحاث في مركز الشرق الأوسط لوقفية كارنيجي ببيروت، لبنان. انضم إلى قسم السياسة العامة والإدارة في الجامعة الأميركية بالقاهرة في عام 2011 كأستاذ مساعد للسياسة العامة حيث ما زال يعمل إلى اليوم، كما أنه يعمل أيضا كأستاذ مساعد للعلوم السياسية في قسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة. يكتب صحفيا وأكاديميا عن قضايا الديمقراطية في مصر والعالم العربي، ومن بينها ثنائيات الحرية-القمع ووضعية الحركات السياسية والمجتمع المدني وسياسات وتوجهات نظم الحكم.
التعليقات