كنت أتجول فى معرض رسمى للكتاب ووجدت نسخا مستعملة من روايات الكاتب اللبنانى الذى أحبه أمين معلوف وهى غالية الثمن فى طبعاتها الجديدة بسبب مكانة الكاتب الذى يكتب بالفرنسية ولجودة الترجمة التى تضطر ناشره العربى لشراء حقوق الترجمة والنشر.
ووصلت مفاوضاتى مع البائع إلى طريق مسدود وقلت أمرى لله سأشترى الطبعات الجديدة لكن بائعا آخر اقترب منى وساومنى على سعر أقل وحصل على رقم تليفونى وبعد يومين جاء ومعه الروايات وبسعر لا يقاوم وابتسم ابتسامة عريضة وقال لى: «ضربتها لك مخصوص».
وفهمت أنه زور لى الطبعات كلها وجاء لى بنسخ أصلية لأتاكد من كفاءة التزوير وأقارن الطبعتين ولا أنكر أننى اشتريت المزور كأى مواطن باحث عن الأرخص.
وبعد أن توطدت علاقتى بالبائع كنت أتابع الكتب التى يبيعها على فرشة مخصصة للصحف ولاحظت اختفاء الصحف «لأنها مش جايبة همها» والكتب مكسبها ١٠٠% وهى أولى بالمكان كما لاحظت تحسن ذائقته واعتماده على عين خبيرة تتابع الأعمال التى تصل لقوائم الجوائز الكبرى أو التى تحدث ضجة وتتحول لأعمال شعبية واسعة الانتشار.
ولما كان يعرف اهتماماتى ومهنتى اطمأن لى وبدأ يحدثنى عن مشروعاته فى المستقبل وكان أكثرها إثارة رغبته فى أن يتوقف عن الشغل الحرام لكى لا يخرب بيت الناشر المصرى لذلك قرر تزوير الكتاب الأجنبى وسألنى النصيحة: «يا سلام لو تعرف أستاذ إنجليزى يكتب لنا مقدمات للطبعات بتاعتنا علشان تختلف عن الأصل الأجنبى علشان مش عايزين مشاكل».
تصورت أن الفكرة التى تراوده مجرد نكتة لكنه فعلها وتوكل وتوسع فى تجارته أكثر بعد أن تحول سور الأزبكية لسوق مثالى للكتاب المزورة فى منطقة تعج بالفوضى الشاملة.
وأعرف من الأصدقاء الناشرين أن بعض الكتب تزور بعد أقل من ساعة من صدورها، وهو ما يصيب الناشر والمؤلف بخسائر فادحة بل إنه فى بريطانيا نفسها فإن ظاهرة تزوير الكتب وقرصنتها أفضت لانخفاض حقيقى فى دخول المؤلفين بنسبة تقترب من الـ 30 فى المائة فيما يخشى أن تسفر الظاهرة على الأمد الطويل عن إفلاس الناشرين وتوقف صناعة نشر الكتاب.
ويبدو لى أنه فى مصر لا رغبة حقيقية فى مكافحة تزوير الكتب فى مصر فمعرض القاهرة الذى سيحتفل العام المقبل بدورته الخمسين لا يزال يفتح أبوابه للمزورين «عينى عينك» رغم كل جهود مديره د. هيثم الحاج على بسبب أشكال التواطؤ التى نعرفها جميعا.
ومادامت وزارة الثقافة تستعد لتأسيس شركة للاستثمار الثقافى فأتصور أن مكافحة تزوير الكتاب ينبغى أن تكون على رأس أولوياتها لأن صناعة الكتاب فى مصر والعالم العربى مهددة بالشلل التام بعد ارتفاع أسعار الدولار ومعها كل مقومات الصناعة حتى إن الراغب فى شراء كتاب عليه القيمة لن يحتاج لأقل من 250 جنيها للكتاب الواحد وهو مبلغ كبير يفوق طاقة غالبية القراء.
وإذا كان من المستحيل عمليا مكافحة الغلاء فمن باب أولى مكافحة التزوير لكى لا يضطر الناشر لاعتزال المهنة بعد غياب أشكال الدعم التى كانت تقدم فى الماضى وفى ظل الواقع الحالى يبدو أن الاقرب للتحقق فى الواقع تفشى ظاهرة التزوير كرد طبيعى على ارتفاع الأسعار وهى كارثة متوقعة.
وقد أخبرنى ناشر كبير التقيته فى بيروت قبل شهر واحد أنه يفكر جديا فى وقف بيع كتبه بالقاهرة نهائيا لأنها تزور بكفاءة ولا أحد يتدخل لمكافحة هذا النزيف كما يجرى أيضا تصدير الكتب المزورة لعواصم عربية أخرى كانت تمثل متنفسا لتجارته ولفت الناشر نظرى لمبادرة أطلقها ناشرون تحت عنوان «ناشرون من أجل المهنة» مهمتها الأصعب محاربة قرصنة الكتب ومن الأمور التى اقترحها المبادرون حث الدول على تأسيس المكتبات العامة وتطوير أساليب الاستعارة والتوسع فى تجارة الكتب الإلكترونية التى تكون عادة أقل سعرًا بنحو 30% وأكثر تحررا من القيود الجغرافية، وهو أمر بات أيسر اليوم بعدما أدخلت «أمازون» المحتوى العربى لمنصاتها الإلكترونية على الرغم من أن عادتنا فى القراءة لا تزال ورقية بامتياز.