على الرغم من استمرار النشاطات العسكرية المنسوبة إلى إسرائيل فى سوريا، والأوضاع القاسية الآخذة بالتفاقم فى لبنان، والصعوبات الاقتصادية التى تواجهها إيران فى الآونة الأخيرة، فإن مشروع الصواريخ الدقيقة لدى حزب الله آخذ بالتقدم إلى الأمام. وهذا الأمر من شأنه أن يضع أمام المؤسسة السياسية الإسرائيلية معضلة من العيار الثقيل فى الأعوام القليلة المقبلة، تتعلق بكيفية التصرف حيال هذا التهديد الخطر.
سبق لرئيس هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلى الجنرال أفيف كوخافى أن قال فى الماضى أنه فى حال تجاوُز الخط الأحمر بالنسبة إلى إسرائيل من ناحية كمية الصواريخ الدقيقة التى يحوزها حزب الله، ومن ناحية نوعيتها، فإن قيام إسرائيل بالمبادرة إلى شن حرب سيكون مُبرَرا، وستستند هذه الحرب إلى هدف أخلاقى لائق.
فى نهاية الأمر تُعتبر قضية تزوُد حزب الله بصواريخ دقيقة صراعا ضد عامل الزمن. ويدرك المسئولون فى إسرائيل أنه لا يمكن الحؤول دائما دون وصول التكنولوجيا اللازمة لإنتاج مثل هذه الصواريخ إلى أيدى حزب الله، لكن يجب عرقلة تطوير هذا المشروع قدر الإمكان. وفى الصناعات الأمنية الإسرائيلية يؤمنون بأن هناك حاجة فى المستقبل إلى مزيد من الحلول الدفاعية إلى جانب قدرات هجومية واستخباراتية لكبح القدرات العسكرية لدى حزب الله و«حماس»، لكن مثل هذا اليوم ما زال بعيدا، وإلى حد كبير كانت عملية «حارس الأسوار» العسكرية التى شنها الجيش الإسرائيلى فى قطاع غزة فى مايو الفائت بمثابة إشارة إنذار، إذ كان هناك فشل فى تحديد منظومات إطلاق الصواريخ لدى العدو فى زمن القتال، وهو ما عطل إمكان المساس بها وشل قدرتها.
ويمكن القول إن قضية الصواريخ الدقيقة هى التى ستحسم اندلاع مواجهة عسكرية بين إسرائيل وحزب الله فى الفترة القريبة المقبلة. ولا بد من القول إن حزب الله نقل فى العامين الأخيرين مركز الثقل لمشروع تطوير هذه الصواريخ إلى لبنان، بعد أن ألحقت إسرائيل أضرارا كبيرة به فى سورية. وهنا يُطرح السؤال عما إذا كان هناك نقطة زمنية يجب على إسرائيل أن تعمل فيها ضد أهداف محددة فى لبنان، وبأية طريقة، وهل سيؤدى ذلك إلى حرب فى مقابل حزب الله؟ ولا بد من القول هنا إنه خلال الأعوام الأخيرة لم تحدد المؤسسة السياسية بدقة ما الذى تطلبه من الجيش فى هذا الشأن.
باحثو «معهد أبحاث الأمن القومى» [جامعة تل أبيب] كتبوا فى التقرير الذى قُدم هذا الأسبوع إلى رئيس الدولة الإسرائيلية يتسحاق هيرتسوغ، أن «الحكومة الإسرائيلية مطالَبة بتحديد شكل وتوقيت معالجة مشروع الصواريخ الدقيقة» لدى حزب الله. والحكومات الإسرائيلية الأخيرة تبنت موقف الجيش الإسرائيلى الذى كان فحواه أنه يجب التعامل مع مشروع الصواريخ الدقيقة بشكل مغاير كليا للتعامل مع مشروعات تعاظُم السلاح التقليدى. وهذا يعنى أن إسرائيل حددت هذه القضية على نحو كبير بأنها شبيهة بعقيدة منع العدو من امتلاك سلاح نووى.
ويمكن القول إنه من اللحظة التى جعلت إسرائيل فيها هذه القضية بمثابة خط أحمر، لم يعد فى مقدورها أن تسمح لحزب الله بأن يكون محصنا حيالها. وهذا يعنى أنه لا يجوز عشية أية حرب مقبلة أن تكون بحيازة حزب الله مئات الصواريخ الدقيقة المنتشرة فى الأراضى اللبنانية، وأساسا فى مواقع تحت الأرض يصعب على الجيش الإسرائيلى اكتشافها فى أثناء القتال.
وفقا للتقديرات، توجد بحيازة حزب الله الآن عشرات الصواريخ الدقيقة، لكن المسافة بينه وبين مئات الصواريخ الدقيقة ليست بعيدة، وعندها ينتقل حزب الله إلى مرحلة يكون فيها محصنا ولديه قدرة عملانية مثبتة. وهنا بالضبط تكمن المعضلة الإسرائيلية التى يفهم أصحابها أن أية هجمات مباشرة فى الأراضى اللبنانية ستؤدى إلى نشوب حرب. أما موقف الجيش فى هذه المرحلة فيؤكد أنه على الرغم من تقدم حزب الله فى المشروع، إلا إننا لم نصل بعد إلى المرحلة التى تسوغ الانتقال إلى درجة نشاط أكثر عدوانية.
كجزء من مكافحة مشروع الصواريخ الدقيقة نُسب إلى إسرائيل هجوم واحد معروف على الأراضى اللبنانية. وهو الهجوم الذى شُن قبل نحو عامين بواسطة طائرات مسيرة فى الضاحية الجنوبية فى بيروت. ووفقا لوسائل إعلام أجنبية، تم فى هذا الهجوم إلحاق ضرر بمركب تكنولوجى مهم فى عملية إنتاج هذه الصواريخ. ويبدو أن المؤسسة الأمنية ستزيد جهودها المبذولة فى قنوات العمليات السرية فى الأشهر القريبة المقبلة. لكن ينبغى لنا القول إن المعضلة هنا ستكون كبيرة، لأنه ما من ضمان فى أن يكون نموذج العمل هذا الذى تؤكد وسائل إعلام أجنبية أن إسرائيل تستخدمه منذ عدة أعوام فى إيران، هو نموذج مناسب فى مقابل حزب الله. فالجار لبنان لديه حدود مشتركة معنا ويبقى احتمال نشوب حرب هناك أكبر بكثير، فى وقت يمكن أن يتهمها العالم بأنها هى التى جرت لبنان إليها على الرغم من أزمته الحادة على المستويات كافة، وبذلك لن تحظى حرب كهذه بشرعية دولية. إلى جانب ذلك، وفى حال حدوث تصعيد، سيكون الجيش الإسرائيلى مطالَبا بأن يكون جاهزا لعمليات تفاجئ حزب الله وتمس بقدراته المتقدمة قبل أن يقوم باستخدام الصواريخ الدقيقة التى بحيازته.
فى كل الأحوال يجب القول إن إسرائيل تقترب أكثر فأكثر من مفترق الطرق الحرج فى كل ما يتعلق بمشروع الصواريخ الدقيقة التى بحيازة حزب الله. ويبدو أنه فى إبان ولاية رئيس هيئة الأركان الحالى كوخافى، وربما حتى فى السنة القريبة، سيكون هناك مطالبة باتخاذ قرارات بشأن كيفية العمل ضد هذا المشروع.
طال ليف رام
محلل عسكرى
معاريف
مؤسسة الدراسات الفلسطينية