بالتأكيد هناك العديد من أسباب الاختلاف مع حركة حماس، وغيرها من الفصائل الإسلامية المسلحة فى غزة، ليس أقلها تديين القضية، مما يعطى شرعية إلى الدولة اليهودية فى الصراع، فإذا كان رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو يعود إلى أسفار التوراة لتبرير خطابه، وتسويقه داخليا وخارجيا، فإن حماس تفعل الامر ذاته، بأسلمة الصراع الفلسطينى الإسرائيلى، ولكن هذا لا يعنى قبول الادعاءات الإسرائيلية، والتى للأسف تجد من يشتريها فى العالم العربى، مثلما يحدث فى الغرب، فليست جرائم الحرب التى تمارس فى غزة الآن بسبب فقط ما فعلته حماس فى السابع من أكتوبر، ولكن تصفية القضية الفلسطينية هى نهج ثابت للحكومة الإسرائيلية، لا يتغير، ولا يتبدل. ولعل خطاب المساندة الذى بعث به عدد من كبار المسئولين البريطانيين السابقين فى الأمم المتحدة إلى الأمين العام أنطونيو جوتيريش فى موقفه الداعى إلى وقف الاعتداءات الإسرائيلية على المدنيين فى غزة، وقد ذكروا فى الخطاب أنهم يرفضون ما فعلته حماس فى السابع من أكتوبر، لكنهم لا يرون أنه مبرر للاعتداء الحالى على غزة. وهناك العديد من المثقفين والكتاب والمعلقين على مستوى العالم ينتقدون إسرائيل فيما تقوم به من قصف وحشى للمدنيين، والمنشآت، ودور العبادة والمستشفيات، وهى تفعل كل ذلك دون تصور واضح لكيفية تحقيق أهدافها، وهى القضاء على حماس، التى يشكك كثيرون فى قدرتها على تحقيق ذلك. والواقع أن إسرائيل تقوم بتصفية القضية الفلسطينية قبل أن تنشأ حماس ذاتها، والأمثلة على ذلك كثيرة، يصعب الخوض فيها. الغريب أن الأصوات التى تلوم الفلسطينيين بذنب حماس، لم تتحدث فى مناسبات سابقة عندما كانت إسرائيل تتوغل، وتقتحم، وتعتقل، وتقتل فلسطينيين فى الضفة الغربية، ولم نسمع لها صوتا عندما أجهض الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب القضية الفلسطينية، بإعطاء الضوء الأخضر للحكومة الإسرائيلية بالتوسع فى الاستيطان، وإجهاض عملية السلام فعليا. وإذا كان معسكر الرفض أو الممانعة الذى يضم دول إيران وسوريا والفصائل الإسلامية فى غزة، وفى مقدمتها حماس، لعبت دورا فى اجهاض اتفاقيات أوسلو طيلة ثلاثة عقود، فلم تفعل ذلك وحدها، ولكن كان هناك على الجانب الآخر اليمين الإسرائيلى الذى لعب دورا فى تصفية القضية، وصار هناك من يمكن تسميته بالتحالف غير المقدس، بين اليمين المتشدد على الجانبين، الذين لا يجمعهما هدف واحد، سوى استمرار الصراع، وتغذية العنف، وإبقاء المشهد مشتعلا.
وبالتأكيد فإن المخطط الإسرائيلى لتصفية القضية الفلسطينية سابق على نشأة حماس، أو أى تشكيل إسلامى آخر، وقد كشفت «بى بى سى» الوثائق البريطانية التى تنطوى على خطة سرية قبل نحو 52 عاما لترحيل آلاف الفلسطينيين من غزة إلى شمال سيناء. وبالتالى فإن الرفض المصرى الأردنى، والفلسطينى أيضا، لتهجير الفلسطينيين من غزة والضفة الغربية إلى مصر والأردن، هو تصور حقيقى، قديم، يعاد انتاجه، لإنهاء القضية الفلسطينية، وحل الدولتين. والدليل على ذلك رفض إسرائيل مبادرة السلام العربية عام 2002، التى أطلقها الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وكانت تنطوى على حل الدولتين مقابل تطبيع الدول العربية مع إسرائيل، ورغم المكاسب التى كانت سوف تحصدها إسرائيل من وراء ذلك، رفضها، واتجهت بعد سنوات، بمظلة أمريكية، إلى توقيع ما يعرف بالاتفاقات الابراهيمية التى كانت تمثل تطبيعا دون اشتراط حل القضية الفلسطينية.
بالتأكيد حماس تتحمل تديين الصراع، وغياب وحدة الصف الفلسطينى، لكن إسرائيل مسئولة مباشرة عن اجهاض مبادرات السلام، ومحاولة تصفية القضية الفلسطينية. وأدت سياساتها القمعية للشعب الفلسطينى إلى ظهور جميع أشكال المقاومة، وحماس من بينها.