الغبار السنوى - سامح فوزي - بوابة الشروق
السبت 21 ديسمبر 2024 5:35 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الغبار السنوى

نشر فى : الأربعاء 31 ديسمبر 2014 - 8:45 ص | آخر تحديث : الأربعاء 31 ديسمبر 2014 - 8:45 ص

لم أعد أعبأ شخصيا برأى أو فتوى مسيئة تصدر هنا أو هناك، لأن الصخب الذى يثار حولها لا يستمر طويلا، خاصة إذا كان لها موعد سنوى مثل الفتوى التقليدية التى تصدر عن منابر إسلامية تقضى بعدم تهنئة الأقباط فى أعيادهم. وقد خرجت علينا دار الافتاء ــ هذا العام ــ بفتوى مضادة ترفض هذا المسلك، وترى أن تهنئة غير المسلمين بأعيادهم من باب البر والإحسان بهم.

هناك ما يشبه «الكورس» السنوى: تحريم تهنئة المسيحيين فى أعيادهم، تحريم الاحتفال بعيد الحب، تحريم الاحتفال بشم النسيم، وعادة ما تصدر فتوى بهذا الخصوص، ينفخ فيها الإعلام، ويستضيف من يفندها وينتقدها، وينتهى الأمر بإقرار عدم جوازها أو لياقتها. لا يحدث شىء ذو معنى، اللهم إلا انزعاج البعض، اضطراب البعض، وإعلان الخوف على المستقبل.

مواسم للكلام لا أكثر، لا جديد فى الأمر. طقس ثابت يتكرر.

فى الواقع ما يلفت الانتباه أن هذه الفتاوى والآراء تسىء إلى الإسلام فى المقام الأول، لأن تهنئة الأقباط فى مناسباتهم من عدمه لن تضيف أو تخصم منهم، ولكن المطالبة بعدم تهنئتهم هو ما يسىء إلى صورة الإسلام، ويكون المسلمون هم المتضررين منه.

وغرائب الفتاوى التى تمس المسلمين قبل غيرهم كثيرة، ومثيرة. مثل الذى أفتى بأن يتخلى الرجل عن زوجته إذا تعرض لخطر، وينجو بنفسه. أو ذاك الذى دعا إلى تلصص الخطيب على خطيبته أثناء الاستحمام، وغيرها. وهو أمر يسىء إلى المسلمين أنفسهم.

كلام غريب، لا يتعارض فقط مع الدين، ولكن مع أخلاق المصريين. السؤال: من أى مورد أتى هؤلاء الذين يفتون بآراء غريبة وشاذة على هذا النحو؟ صحيح أن المجتمع ينتفض رافضا ما يقال، ولكن الجدل فى الإعلام حولها يصيب المرء بامتعاض، ويجعله يشعر بالخطر على مجتمعه.

الإشكالية الحقيقية أن هناك من يرى فى مجتمعنا أن هذا الكلام تافه لا يستحق الرد، وهناك من يجبن عن مواجهته تملقا للشارع المضطرب والمشوش ذهنيا ونفسيا، وهو ما حدث على مدى عقود حتى صار لما يُطلق عليهم «مفتى الشارع» سطوة، وجمهور، وناس يمشون وراءهم. وقد كان عصر مبارك نموذجا حيا على التسامح مع الآراء الفاسدة التى تروج على الصعيد الدينى مادامت لا تمس السلطة أو تثير غبارا حولها. وأكثر من ذلك، كان بعض ممن يروجون آراء متخلفة عيانا جهارا قريبين من أجهزة الدولة، وأحيانا أدواتها فى المجتمع. ألم نراهم إبان ثورة 25 يناير فى التليفزيون الرسمى يدافعون عن مبارك، ويحرمون الخروج عليه؟.

لم يعد الأمر يحتمل الشطط، وترويج آراء متخلفة فى الشارع، وعبر منابر الإعلام، خاصة وسائل التواصل الاجتماعى: إذا أراد المجتمع أن يتقدم، لابد أن يرتقى بالحالة الذهنية للمصريين، ويلوذ بها عما يعكر الذهن، ويربك النفس، ويخلق مساحات من التناقض فى الحياة الاجتماعية.

هذه مسئولية ينبغى أن تكون المؤسسات المعنية جادة فى حملها، لأن التقدم يحتاج إلى ثقافة تتسم بالتسامح، والاستنارة، والعقلانية.

سامح فوزي  كاتب وناشط مدني
التعليقات