تمر دول العالم أجمع بمرحلة اقتصادية صعبة وذلك بسبب أزمتين دوليتين متزامنتين، حيث أزمة كوفيد؛ ذلك الوباء العالمى الذى ضرب وما زال العالم صحيا واقتصاديا، ثم الأزمة الأوكرانية المستمرة منذ أكثر من ١٠ أشهر ولا يبدو أن نهايتها قريبا وهى الأزمة التى أثرت على قطاعات الطاقة المختلفة وما زال من المتوقع أن تستمر آثارها لأشهر أو ربما لسنوات مقبلة!
رغم أن الأزمة الاقتصادية الحالية هى أزمة عالمية، إلا أن آثارها تختلف من دولة لأخرى بحسب قوة اقتصاد كل دولة، وطبيعة مصادر الدخل القومى الخاصة بها، ومدى ارتباط كل دولة بالنظام الاقتصادى العالمى، وكذلك الكيفية السياسية التى تدار بها الأنشطة الاقتصادية فى كل حالة، ذلك إذا ما كانت الدولة تعتمد على نظام سياسى ديموقراطى، أو أقل ديموقراطية، أو نظام مختلط، أو نظام سلطوى.. إلخ!
بالإضافة إلى ذلك، فهناك عدة عوامل أخرى تتحكم فى مدى الشعور بآثار هذه الأزمة مثل عدد السكان وتركيباتهم العمرية وكفاءة النظام الصحى ونظام التكافل الاجتماعى، ومدى قوة عملة الدولة.
فى مصر مثلا، فإن آثار الأزمة الاقتصادية العالمية يمكن أن نشعر بها بشكل أكبر من الآثار التى يشعر بها الشعب الأمريكى، ليس لأن الأخير ليس لديه أزمات، ولكن لأن طبيعة الاقتصاد الأمريكى، وكذلك النظام السياسى، وقوة العملة، ومصادر الدخل، ضمن عوامل أخرى متنوعة تختلف بين الحالة الأمريكية والحالة المصرية، وهكذا الأمر إذا ما قمنا بمقارنة مصر باقتصاديات أقوى منها، مثل دول الاتحاد الأوروبى أو الصين واليابان أو القوة الصاعدة اقتصاديا مثل الهند أو البرازيل، أو حتى إذا ما قمنا بمقارنة الحالة المصرية بحالات أضعف مثل معظم دول أفريقيا، أو بعض دول الكاريبى.
ومن هنا، فالحديث عن أن الأزمة الاقتصادية هى «أزمة عالمية» هو توصيف صحيح لأوضاع اقتصادية قائمة، لكنه ليس توصيفا كافيا والأهم أنه ليس توصيفا شافيا، بمعنى أنه لا يحمل الحلول فى حد ذاته! والسبب هو أنه بينما يعانى كل المواطنين والمواطنات فى العالم من الأزمة الاقتصادية، فإن آثارها تختلف على حياتهم بحسب طبيعة الاقتصاد والسياسة وغيرها من العوامل بين دولة وأخرى كما أشرنا سابقا!
• • •
فى مصر ولأن طبيعة اقتصادنا تجعل تأثيرات أى هزات اقتصادية عالمية عالية التأثير على المواطنة والمواطن المصرى، من ناحية لأن معدلات الإنتاج منخفضة، وقدرتنا على التصدير والمنافسة العالمية فى أسواق السلع والخدمات ولا سيما قطاعات التكنولوجيا والصناعات الثقيلة بين منعدمة ومتواضعة، ومن ناحية ثانية لأننا نمر بمرحلة إصلاح اقتصادى شديد القسوة على الشعب المصرى بسبب طبيعة الإصلاحات التى تشترطها المؤسسات الدولية من أجل دعم الإصلاح، ومن ناحية ثالثة، لأن طبيعة مصادر دخلنا القومى وخصوصا مجالى السياحة وقناة السويس ترتبط بحركة التجارة الدولية التى تأثرت بعد أزمتى كوفيد وأوكرانيا، وبمستويات معيشة المواطنين والمواطنات فى دول أخرى وقدرتهم على الحركة والسفر والإنفاق الترفيهى وهى المستويات التى تأثرت بدورها بالأزمات المذكورة!
وبناء على ما سبق، ولأنه لا توجد حلول سحرية أو سريعة يمكن من خلالها علاج الأزمة الاقتصادية فى الحالة المصرية، فتكون عملية صناعة القرارات الاقتصادية وخصوصا المتعلق منها بأولويات الإنفاق العام وخطط التنمية هى السلاح الأهم للدولة وللشعب المصرى للخروج بأقل الخسائر من هذه الأزمة، حيث إننا لا نواجه مدة محددة علينا فيها ربط الأحزمة ولكننا نواجه أزمة مركبة أكبر مشاكلها هو عدم وضوح الطريقة التى ستطور بها فى المستقبل ناهينا عن عدم وضوح الإطار الزمنى لانتهائها!
فما الذى يمكن عمله فى عملية صنع القرار الاقتصادى فى مصر هذه الأيام؟ هناك ثلاثة عوامل علينا تتبعها فى عملية صناعة القرارات الاقتصادية:
أولا، علينا أن نتخلى عن عنصرى السرعة والحسم فى صنع القرارات الاقتصادية! أتفهم تماما أن أى قرار اقتصادى وقت الأزمات يفترض فيه أن يكون قرارا سريعا وحاسما، ولكننا لسنا أمام أزمات تقليدية، بل نحن أمام أزمات مركبة وليس لها إطار زمنى واضح ناهينا عن محدودية المعلومات المتاحة بشأنها والتى تقوم بالأساس على التوقعات والتخمينات ورسم السيناريوهات المستقبلية، ومن هنا فسرعة اتخاذ القرار الاقتصادى قد يكون ضرره أكبر بكثير من نفعه، فالتأنى والدراسة والتمهل أصبحت من الضروريات التى لا يجب التهاون فيها حتى لا ندفع المزيد من الأثمان التى نحن بكل تأكيد فى غنى عنها!
ثانيا، علينا تجنب إشراك غير ذوى الكفاءات فى عملية صنع القرارات الاقتصادية مهما كانت درجة ولائهم، لأن الولاء ورغم أهميته المفهومة فى الأوضاع السياسية الحالية، إلا أن ضرره يجب نفعه، فأصحاب الولاء حتى وإن تمتعوا ببعض الكفاءة سيقدمون ولاءهم على كفاءتهم إذا ما طلب منهم المشاركة فى صنع القرارات، لأنهم يعلمون أن ولاءهم هو محور تواجدهم فى الدوائر المقربة من السلطة أو حتى داخل بعض دوائر السلطة، ومن ثم فالمتوقع أنهم سيميلون إلى القرارات التى يعتقدون أنها ستحوز على موافقة صانع القرار، حتى لو لم تكن هى القرارات الأصوب.
وأخيرا: علينا أن نتأكد فى مثل هذه الأوقات الصعبة، أن جميع القرارات الاقتصادية التى نتخذها هى قرارات مؤسسية لا فردية، أى إنه تم مراجعتها وتفنيدها داخل كل المؤسسات المعنية باتخاذ القرارات الاقتصادية وفقا للقانون والدستور، ذلك أنه لا مجال فى هذه الأوقات الصعبة للاعتقاد بحكمة أو قدسية بعض الأفراد، وفى معظم دول العالم حتى السلطوية منها، لا زال للمؤسسات الدور الأكبر عند اتخاذ أى قرار اقتصادى، لأن الفرد مهما بلغت درجة حرصه على المصلحة العامة فإنه لن يتمتع بنفس درجة الكفاءة والشمول التى تتحلى بها المؤسسات التشريعية والتنفيذية والرقابية المعنية باتخاذ مثل هذه القرارات.
• • •
أى شخص متابع للشأن المصرى عليه أن يشعر بالقلق حينما يتابع بعض التصريحات السياسية أو القرارات الاقتصادية، ليس بالضرورة لأنها قرارات خاطئة، ولكن لأن الطابع الفردى لا المؤسسى يغلب على بعضها، ولأن هناك شعورا عاما يتسرب إلىَّ وأعتقد إلى آخرين مثلى بأن هناك تركيزا على سرعة اتخاذ القرار لا على طريقة صناعته، وأخيرا، لأن هناك تغطية إعلامية لمثل هذه القرارات أدعى أن طابع المجاملة والتسويق يغلب فيها على المناقشة والحساب، وكلها أمور غير مطلوبة فى هذه الأثناء مهما حسنت النيات!
أستاذ مساعد للعلاقات الدولية ــ جامعة دنفر