•يقدم شهر رمضان الكريم لك ثلاثين فرصة أو تسعة وعشرين فرصة حسب الظروف الفلكية لكي تتأكد عقب كل إفطار من أن الإنسان أوسخ من أن يتعلم من أخطائه التي ارتكبها بالأمس. ولذلك كان ينبغي أن يضعوا على «ضهر» الكتب الدراسية عبارة أهم من ذلك الهراء عن غسيل اليد قبل الأكل وبعده، عبارة تقول « أبو أم الطفاسة».
Top of Form
Bottom of Form
•صرخت فيّ النفس اللوامة أمام الأوبن بوفيه: رجع الحتة اللي حطيتها دي.. كفاية كده الطبق مليان. قلت لها وأنا أتلفت حولي لكي لا يسمع حوارنا أحد: عشان بس ما أرجعش تاني البوفيه لو شبعت هاسيبها في الطبق.
قالت بغضب لا يخلو من إشفاق: رجعها أحسن هتندم زي كل يوم. قلت بعنف لا يتناسب مع الموقف: اخرسي خالص، مالكيش دعوى، وبعدين هو كان حد طلب رأيك. صدمها ردي المنفعل فقالت بتودد: أنا قلبي عليك.. عشان ما تقعدش توحوح ساعتين بعد الفطار زي كل يوم. قلت وأنا أبتعد عنها عائدا إلى ترابيزتي: هابقى أمشي بعد الفطار. سمعت صوتها من الخلف مغمغما: ابقى تف عليّ لو مشيت خطوتين. التفتُّ إليها بحدة وتصنعت أني أبصق في وجهها وقلت بغضب: آديني تفيت أهوه.. اخرسي بقى.. ده النفس الأمارة بالسوء برقبتك. ثم عدت إلى البوفيه ثانية وهي تنظر لي بذهول وأنا أقوم بإضافة قطعة رقاق ثانية إلى الطبق في تحدي، أخذت تصرخ في وجهي «بتعمل في نفسك ليه كده.. رجع الحتة دي أحسن لك»، قلت بكل ما أمتلكه من تعالٍ وعجرفة: الحتة دي واخدها بالعند فيكي عشان أثبت لك إن إرادتي قوية وإني هاسيبها هي واللي قبلها من غير ما آكلهم أول ما أشبع.. أنا مش ضعيف زيك يا سافلة».
لم أعد أذكر سوى أنني بعد أن مرت نصف ساعة أو ربما ساعة أو ربما أقل أو ربما أكثر، رأيت النفس اللوامة تنظر ضاحكة إلى الطبق الخاوي على عروشه ثم تنظر إليّ وأنا أجلس على الكرسي شريدا محطم الوجدان تخونني أنفاسي تخونني لفتاتي، وهي تقول لي بشماتة: «عشان تبقى تسمع الكلام يا زبالة».
•«يا بن الـ.. يالله مش اشكال مش اشكال.. ياولاد الـ .. يالله حصل خير حصل خير .. لا حول ولا قوة إلا بالله.. استغفر الله العظيم يارب.. أح.. مدك يارب»
(من تدريبات التنمية الذاتية لمواطن يدرب نفسه على الإقلاع عن البذاءة التي كانت لازمة لاستمرار الحياة لكي لا يفسد صيامه).
•كنت كلما استمعت إلى أغنية أم كلثوم الشهيرة (أصبح عندي الآن بندقية) أتوقف أمام تعبير يقول فيه نزار قباني كاتب الأغنية «وألبس المنيّة»، الآن فقط وفي ظل هذه الظروف العصيبة أصبحت أفهم كيف يمكن للإنسان أن يلبس المنية قبل أن يموت؟.
•كان الشاب الحائر قد تأثر بذلك الأسلوب الذي يستخدمه الوعّاظ لنشر الفضيلة حيث يقولون للعبد الذي يرغب في الصلاح: إذا امتنعت عن شرب الخمر في الدنيا ستستمتع بأنهار الخمور في الجنة، وإذا امتنعت عن الزنا في الدنيا ستستمتع بالحور العين في الجنة. سألني الشاب الحائر قائلا: طيب يا ترى إذا امتنعت عن مشاهدة الأفلام الاباحية في الدنيا هل يمكن أن أكون بطلا لها في الجنة؟. وأنا انعقد لساني ولم أملك إلا أن أستغفر الله لي وله ولوعّاظ المسلمين.