كان الأسبوع الأخير من العام الدراسي أسبوع التمرد بامتياز في حياة ابني وابنتي، لكنه لحسن الحظ لم ينته بخلع أي منهما من المدرسة، لأسباب تتعلق بالمبلغ الذي تسفحه إدارة المدرسة الخاصة مني كل عام، والذي يعطيهما حصانة من الخلع، لكنه للأسف لم يعطني حصانة من الإستدعاء السريع لمقابلة إدارة المدرسة، لأجلس أمام المشرفة الاجتماعية في «نُصّ هدومي» مواجَها بثمار ما جنيته على نفسي عندما اخترت أن أربي أولادي على الصدق والتلقائية.
البيه الكبير يوسف ذو الأعوام العشرة حبكت معه الصراحة عندما سألته مشرفة النشاط الطلابي عن رأيه في الكرنفال الذي أقامته المدرسة بمناسبة نهاية العام الدراسي فقال لها رأيه في ثلاث كلمات خفيفات على اللسان ثقيلات على الوجدان «نصب في نصب». وعندما غضبت المشرفة لم يسكت ويعديها، بل قال لها رأيه مفصلا حتى قالت لنفسها «ليته سكت ويا ريتني ما سألت»، البيه قال لها بحرقة «يا ميس بصراحة كلنا عارفين إنكو بتعملوا الكرنفال ده عشان تلموا مننا فلوس وخلاص»، ثم عاجلها بملاحظة تفصيلية ساحقة قائلا «انتو كاتبين في الإعلان سيتم توزيع بيتزا كبيرة لكل طالب»، ثم رفع قطعة البيتزا المسخوطة في وجه الميس وأضاف بصلادة «دي إزاي تسموها بيتزا كبيرة، كان المفروض تقولوا إنكم هتوزعوا قُرَص «.
استمعت إلى الميس وهي تحكي الحكاية بتأثر شديد، وأنا أنظر إلى يوسف بنظرات عتاب بينما أخفي بداخلي رغبة عارمة في احتضانه وتقبيله لأنه «راجل من ضهر راجل ومتسق مع تراثه الغذائي الشعبي وفوق كل ده هيطلع بيموت على القرش زي أبوه»، عندما استغربت الميس صمتي ولم تجد في وجهي حتى نظرات غاضبة موجهة إليه، قالت لي «يعني مش سامعة رأيك يافندم»، ولأني أنا ذات نفسي مصدر التلقائية التي ابتلي بها أبنائي فقد وجدت نفسي أقول ليوسف «المفروض تحمد ربنا ياولد إنك خدت حتة بيتزا..أبوك ماكانش بياخد في المدرسة إلا على قفاه»، غضبت الميس من تعليقي وقالت أنه «غير تربوي بالمرة»، ثم طلبت من يوسف أن يغادر الغرفة إلى حيث تجلس أخته مريم في الطرقة منتظرة دورها في المحاكمة، وبعد أن أغلق الباب قالت لي بخيبة أمل «أنا كده أقدر أفهم اللي عملته مريم»، وأنا توجست خيفة من جديتها وقلت لها «خير هي عملت إيه بالضبط؟»، قالت لي الميس وهي تتوقع أن أنهار من الصدمة «تخيل قالت لزميلتها سما وهما بيلعبوا في البريك: يخرب بيت سما على أبو سما في ساعة واحدة».
منعتني الجدية المفرطة التي تكسو وجه الميس من أن أقول لها ما أفكر فيه «بس كده»، ولكي أحافظ على دوري كأب صالح يمثل قدوة حسنة لأبنائه ويحرص على الطابع الأصيل للأسرة المصرية، قلت مستعيرا ملامحها الجادة «لا إزاي ما يصحش طبعا.. اندهيها وأنا هاملص ودانها»، وعندما دخلت مريم مطأطئة الرأس لم أوفق طويلا في تقمص دور الأب الحازم المصدوم لأنني بادرتها بقولي «ده اسمه كلام يا مريم تقوليه.. كان ناقص بالمرة تقولي يخرب بيت أم سما»، والميس نظرت لي بذهول وفوضت أمرها لله وتركت لنا الغرفة، لننفجر أنا ومريم في الضحك ونرتمي في حضن سرعان ما انضم إليه يوسف القادم من خارج الغرفة.
إذا كانت مشكلة يوسف ومريم في لسانيهما، فيا سيدي قضا أخف من قضا.