قال لي: يا أستاذ فكرة حزب الكنبة مذكورة أصلا في القرآن. قلت له: إزاي دي بقى اوعي تقولي في آية "فامشوا في مناكبها"؟ مثلا. قال لي: لا ودي تيجي برضه يا أستاذ، أنا مش جاهل، فكرة حزب الكنبة مذكورة في آية "اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون"، كنبة دي ولا مش كنبة يا برنس؟.
قلت له دون أن أتورط في أي مناقشة جادة لما قاله من عبث: يعني معقولة كل اللي حصل في البلد خلال السنتين والنص اللي فاتوا، ما قدرش يحرك جواك أي رغبة إنك تنزل بنفسك للشارع بدل مانت قاعد تحدف طوب وتشتم في كل حاجة حواليك. قال لي: إزاي أنا اتعلمت كتير جدا واتغيرت كتير جدا.
قلت له: بجد يعني هتنزل مع اللي نازلين يوم 30 يونيو؟. قال لي: لأ، بس لو اللي نازلين شالوا الإخوان هاغني لهم من قلبي غنوة أنغام "شلتوا عن عينيا الستاير وإحنا ليكو ممنونين"، ولو فشلوا هاغني لهم من قلبي غنوة حمادة هلال الجديدة. قلت له مستغربا: أنهي غنوة؟.
قال لي: شهداء تلاتين يناير ماتوا في أحداث يناير وفضل منهم شوية عايشين ماتوا في أحداث يونيه. (بالمناسبة محاوري ليس جاهلا بالمرة كما قد تظنه، بل هو رجل متعلم يستند في موقفه السياسي إلى نظرية بيولوجية متكاملة مفادها أن الصرصار أعظم مخلوقات الله ولذلك فهو يؤمن أن هناك جنة ونار مخصوصين للحيوانات وأن الصرصار سيدخل الجنة بينما الديناصور سيدخل النار لفشله في البقاء على قيد الحياة).
بعد أن رحل عن القهوة أخذت أفكر فيما دار بيننا من حوار، لكنني لم أهنأ بلحظات الهدوء حتى قاطعني رجب الجرسون قائلا: ـ إنما إيه اللي هيحصل في تلاتين ستة يابرنس؟ـ رددت برغبة حقيقية في قطم الحوار: العلم عند الله. تجاهل رغبتي برغم وضوحها وعاجلني بأسئلة متلاحقة: "يعني مين اللي هيتخيط المرة دي؟ الثوار هيخيطوا الإخوان ولا الإخوان هيخيطوا الثوار ولا الفلول هيخيطوا الإتنين ولا الجيش هيخيطهم كلهم ويرحمنا".
(لكي تصل إلى فهم حقيقي للأسئلة ينبغي أن تعلم أن رجب من معتنقي الأفكار الفرويدية بشكل واضح وصريح يجعله يعتقد أن الحياة ليست إلا تخايطا جماعيا بين الناس هو الذي يؤدي في النهاية إلى تقدم حركة التاريخ). قلت له وقد فقدت رغبتي في النقاش: باقولك إيه يا رجب أنا جاي هنا عشان أفضي دماغي شويتين، وقلت لك العلم عند الله، المهم إنك تنزل وتعبر عن رأيك لو كان عندك رأي. رد عليّ بهدوء شديد : لا وأنزل ليه ياعمنا.
مانا واللي زيي بنتخيط كل مرة، فأتخيط وأنا في بيتي أحسن. ما فيش أحسن إن الواحد يتخيط بكرامته. ثم رحل رجب نحو عمق القهوة وتركني أتأمل كيف سار مجرى التاريخ على ما سار عليه وصار إليه فقط لأن ملايين البشر اعتنقوا منذ الأزل مذهب رجب الفلسفي الذي يتلخص في عبارته الخالدة "ما فيش أحسن إن الواحد يتخيط بكرامته.