بعد أن تخبط الإخوان المسلمون كثيرا في وحل الواقع المصري المعقد بسبب كذبهم وإخلافهم للوعود ورغبتهم في الإستئثار بالسلطة، وبعد أن ثبت وهم ما أسموه مشروع النهضة، وبعد أن اكتشف ملايين البسطاء أن إدارة الإخوان للبلاد لم تزدها إلا خبالا وفشلا، قرر الإخوان أن يلجأوا إلى ما يعتقدون أنه أقوى أسلحتهم، بينما هو في الحقيقة سلاحهم الوحيد الذي لا يجيدون غيره والذي يتوهمون أنه سيظل إلى الأبد نافعا لهم، ألا وهو سلاح إستغلال العاطفة الدينية الذي ظلوا سنين طويلة يضحكون به على البسطاء. آخر تجليات إستخدام هذا السلاح الفاسد ما ستجده في فيديو مسجل ومنتشر على شبكة الإنترنت لأحد أبرز منظريهم الدكتور جمال عبد الهادي الذي قال خلال درس له بأحد المساجد أن من وصفهم ببعض الصالحين من مشايخ الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح الذين زاروا الرئيس الإخواني محمد مرسي في القصر الجمهوري قصوا له رؤيا عن مجلس يجلس فيه النبي صلى الله عليه وسلم مع عدد من الناس بينهم محمد مرسي، وعندما جاء وقت الصلاة قدم الحاضرون الرسول صلى الله عليه وسلم لكي يصلي، فقال الرسول: بل يصلي بكم الرئيس محمد مرسي، وبعد أن قال الدكتور عبد الهادي هذه الرؤيا الخزعبلية هلل الحاضرون في المسجد وكبروا، ثم هللوا وكبروا بعدها لرؤيا خزعبلية تبشر المصريين بأن مرسي سيحكمهم لثماني سنوات، لأن رجلا صالحا رأى ثمان حمامات خضراء تقف على كتفه الأيمن (مع أن تفسير الرؤيا يمكن أن يكون أن مرسي سيضرب أربع إجواز حمام محشي من فرحات)، وكأن الإخوان بنشرهم لهذا الفيديو يظنون أنهم يحكمون شعبا من الحمقى يمكن أن يصدق أن مشاكله الإقتصادية والإجتماعية المعقدة ستحلها رؤيا مزعومة.
الإخوان الذين يستخدمون الخرافات لدعم رئيسهم المتلجلج ماذا يقولون عن مرشدهم حسن البنا الذي كذّب إمكانية رؤية النبي (ص) في المنام:
لم أجد أفضل للرد على هذا الدجل الإخواني المستجد من مقال قديم نشرته عام 1997 في صحيفة (الدستور) المغدورة، عرضت فيه لما تقوله كتب التراث عن مايدعيه الناس بين الحين والآخر من رؤيتهم النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، وإستغلالهم الدائم لتلك الرؤية، سأترك ما كتبته بين يديك راجيا أن تستفيد به، لعله يدفعك للعودة إلى كتب التراث بنفسك مستزيدا ومتأملا ومحللا ومحكما عقلك لتكون من أولي الألباب.
“ تكون الخرافة أخطر عندما ترتدى عمة وجلبابا وتطلق لحيتها، تأمل ذلك فى حالنا مع النبى صلى الله عليه وسلم، لم يعد تكفينا تعاليم رسالته ولا سيرة حياته ولا القرآن الذى أنزله الله عليه ليبلغه لنا، بل أصبحنا فى حاجة كل حين إلى من يطلع علينا وعيناه تغرورقان بالدموع وهو يقسم لنا أنه رأى النبى فى المنام وأنه قال له كذا وكذا، فتتدلى أفواهنا فى بلاهة، ونأخذ فى البكاء والعويل، ثم لا شئ يتغير فينا ولا من حولنا، ونبقى كما نحن بعيدين عن الإستعداد لتلك اللحظة الرهيبة، لحظة “إنك لا تدري ماذا أحدثوا بعدك”، والسؤال عن مهمة عمارة الأرض التي استخلفنا الله من أجلها.
بالإضافة إلى الحديث الصحيح الذي يستند إليه الجميع لتأكيد مشروعية وحجية رؤية النبي في المنام، أعني حديث “من رآني في المنام فقد رآني حقا فإن الشيطان لا يتمثل بي”، تحفل كتب تخريج الأحاديث بعدد كبير من الأحاديث المكذوبة والضعيفة التي تتحدث عن تلك الرؤية، من بينها مثلا الحديث المكذوب “من صلى على روح محمد فى الأرواح وعلى جسد محمد فى الأجساد وعلى قبره فى القبور رآنى فى منامه ومن رآنى فى منامه رآنى يوم القيامة وشُفِّعت فيه وشَرِب من حوضى وحُرِّم على النار”، وحديث “ من صلى ركعتين ليلة الجمعة ثم يقول ألف مرة صلى الله على محمد النبى الأمى فإنه لا يتم القابلة حتى يرانى فى المنام” الذي يقول عنه محمد بن أحمد أحد أبرز محققى الحديث أنه “ فى أدنى درجات الضعف”، كما يحذر أن كل خبر أو أثر أو قول شيع فيه “من صلى على النبى بكذا ألف أو ألفين رآه فى المنام لا يجب أن تلتفت إليه ولا تصدقه ولا تعمل به، إذ لا يخلو أمره من شيئين، إما واه موضوع وإما مخترع مبتدع مصنوع وكلاهما لا يعمل به”.
لكن مسألة صحة أحاديث الرؤية من كذبها لن تشغل الكثير من أئمة الصوفية على إختلاف مشاربهم الذين ذهبوا في مسألة رؤية النبي في المنام إلى أبعد حدود الشطط، حيث تروي كتبهم رواية منسوبة إلى التابعي الجليل عبد الله بن المبارك يزعمون فيها أنه كان يسأل الإمام الترمذي في بعض ما صعب عليه في كتاب (الشمائل المحمدية) فيجيبه الترمذي وكأنه يرى النبي رأي العين، وها هو الإمام نور الدين الحلبي في كتابه (تعريف أهل الإسلام) يقول في شرح حديث رؤية النبي في المنام أن من فاز برؤيته الشريفة في المنام لا بد أن يراه في اليقظة ولو قبل الموت بهنيهة، أما محيي الدين بن العربي في (الفتوحات المكية) فيقول أنه رأى النبي في العالم الآخر في مكاشفة قلبية “وجميع الرسل بين يديه مصطفون وأمته عليه ملتفون”، وهو ما يرويه أيضا صدر الدين القونوي في (شرح الأربعين) حيث يزعم أن النبي يتمكن دائما من الإجتماع بالرسل يقظة ومناما، وأن هناك من الأولياء من ورث ذلك عنه، وهو ما يوافقه الغيث الكبير عبد العزيز الدباغ الذي يقول في (الإبريز) أن بعض أكابر الأولياء رأوا النبي وهم يقظون، ووصلوا لهذه المشاهدة الشريفة التي هي أفضل من دخول الجنة في رأيه، والتي لو وقعت لرجل له قوة 40 رجلا من أعتى الرجال لانفلقت كبده وذابت ذاته وخرجت روحه، كما يروي الصوفي أحمد الحلواني في كتابه (الفيض الرحماني) أنه رأى سيدنا النبي في ليلة الخميس 25 ربيع الأول 1303 وهو مع الزهراء ستنا فاطمة والحسن والحسين في ليلة زفافيهما، وكان النبي يسقي الخلق شرابا حلوا في كوب كبير، فأعطى الحلواني كوبين، ثم غضب سيدنا النبي على فاطمة لفرط إنفاقها، فأخذ الحلواني يهدئه (!) ويذكره أنها بنته وأن كل ما أنفقته نذر يسير مما تستحقه، ثم قبّل الحلواني قدم الرسول وطلب منه ألا ينساه فأنعم له النبي بذلك، في نفس الكتاب يذكر الحلواني أنه في العام التالي وفي النصف الثاني من رمضان رأى سيدنا النبي ومعه سيدنا جبريل يقول له: جئتك ببشارة من رب العزة وهي “سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة”، ثم أعطاه كتابا قديما بخط القلم فيه جملة أخبار مرفوعة إلى النبي (لاحظ هنا أن الخرافة تتجاوز أقصى حدود الخطورة فهي لم تعد مجرد أضغاث أحلام، بل أصبحت تقدم أحاديث منسوبة للنبي يتعبد بها من يسمع هذا الحلم عن شيخه). يقول حسن كامل الملطاوي في كتابه (الرسول في القرآن) أن الإمام الصوفي عبد العزيز الحلواني قال أنه رأى النبي في المنام وأن سيده أبي المواهب الشاذلي كما يروي في (الضوء الشارق) رأى النبي في المنام فقال له “ما أنا بميت، وإنما موتي عبارة عن تستري عمن لا يفقه عن الله تعالى وأما من يفقه فهو يراني وأراه”، والروايات هنا يضيق عن ذكرها المقام، ولعلك لا يخفى عليك أن الصوفية وبعض أنصار الجماعات المتطرفة يكثرون من خرافات رؤية النبي في المنام تأييدا لإدعائهم أنه صلى الله عليه وسلم حي في قبره دائما، وهو ماناقشته في دراسة أخرى نشرت أيضا بالدستور عام 1996.
على أية حال لم تتوقف إدعاءات رؤية النبي في المنام عند أجدادنا سلفيين كانوا أو صوفيين، معتدلين كانوا أم غلاة، فقد ورثناها عنهم كابرا عن كابر، لأننا رضعنا منهم حليب الخرافة كما ينبغى لنا وزيادة حين أضفنا إليها لمستنا الخاصة في الخرافة،حيث لم تعد رؤية النبي في المنام مقصورة على الأولياء والشيوخ، بل وتطورت لدينا لتصبح طقسا من طقوس الوسط الفني، والأدهى من ذلك وسيلة للنصب على الأثرياء والمشاهير، لعلك تذكر ما حدث منذ سنين للممثلة صفية العمرى والتى وجدت من يقول لها أنه مرسل من طرف الشيخ الشعراوى وأنه رأى النبي فى المنام يأمره بأن يذهب إلى صفية ليأخذ منها تبرعات للفقراء والغلابة، ونجح النصاب “العُقر” فى مسعاه فقد أحكم نصبته باسم رؤية النبى فى المنام أولا وباسم الشيخ الشعراوى ثانيا. قبل ذلك بفترة وجدنا الممثلة فريدة سيف النصر تبشرنا فى الجرائد بأنها قررت الاعتزال والتحجب، لأنها رأت فى المنام سيدنا النبي وهو يغطيها بسجادة صلاة، ثم إن الأيام مرت وعادت فريدة لعادتها القديمة في التمثيل، دون أن تقول لنا ماذا حدث لسجادة الصلاة التي غطاها بها النبي فى المنام. الفنانة آثار الحكيم وهى فنانة ناجحة ومحبوبة قالت مرة فى إحدى حواراتها الصحفية أنها بعد أن أنجبت ابنها الثانى ومرت بفترة تخبط فنى، كانت ترى نفسها محجبة فى المنام وشاهدت أحلاما عن سيدنا النبي، وأنها فى فترة أخرى أخذت تفكر فى اعتزال الفن واشترت كتاب “ الموبقات السبع” وعادت لرؤية النبى فى المنام، وأخذت تفكر فى الاقتصار على أداء التمثيليات الدينية لولا أن أقنعها خالد زكى وعبد المنعم مدبولى وآخرون بالعودة للتمثيل. أما المعتزلة شمس البارودى فقد قالت إنها أثناء رحلة الحج وهى أمام الكعبة رأت النبي في اليقظة عيانا بيانا في مشهدين متواليين حتى قال لها الناس “ شمس وصلت. شمس وصلت”، وكان بصحبتها وقتها خالها وزوجته، ولذلك قررت أن تتحجب. الراحلة الجميلة هالة فؤاد قالت فى حوار لها بعد أن أعلنت قرارها بالاعتزال إنها رأت النبي فى المنام وأنه أمرها بتغطية شعرها فامتثلت لأمره. أما أغرب وقائع الرؤية فى المنام فهو ما روته الراقصة المعتزلة زيزى مصطفى عن أنها ظلت لفترة طويلة تتمنى رؤية النبى فى المنام لكن ذلك لم يتحقق لها وفى إحدى الأيام وهى بين اليقظة والمنام شاهدت سيدنا المسيح يمشى على حائط غرفتها وكما تروى لزميلتنا هناء فتحى فإن البعض قال لها أن رؤياها تعنى نصرة ورفعة لكنها لا زالت تنتظر رؤية النبى حتى الان.
لكن الأمر ليته كان قاصرا على الفن وأهله، فالمصيبة أنه امتد إلى السياسة، والمصيبة الأكبر أن البعض حاول أن يسلب المصريين باستخدام حدوتة رؤية النبي فى المنام تفردهم بأهم انجاز عسكري حققوه فى العصر الحديث، وهو نصر أكتوبر المجيد الذى نحت المصريون بأظافرهم فى الصخر ليحققوه بعد أن أخذوا بأسباب النصر وأعدوا ما استطاعوا من قوة ثم توكلوا على الله فجاء البعض ليتحدث عن اشتراك الملائكة فى الحرب (وهو ما ناقشته في قراءة نقدية سأعود إليها هنا إذا رغب القارئ الكريم في ذلك)، وجاءت واقعة أخرى لتقحم رؤية النبي في المنام كسبب من أسباب النصر، كان بطلها شيخ الأزهر د. عبد الحليم محمود والذي كان عالما فذا لكن كان من هفواته أنه خاض بعلمه في دروب السياسة الغريبة عليه فاستغله السادات لضرب القوى الوطنية المعارضة له تحت ستار محاربة الشيوعية، لدرجة أنه قال في دعمه لقرار السادات بطرد الخبراء السوفييت من مصر “تضيع سيناء ولا تضيع عقيدتنا”، الواقعة التي أحدثكم عنها يرويها أستاذنا المؤرخ صلاح عيسى قائلا أن الشيخ عبد الحليم محمود في أول صلاة جمعة أذيعت من الجامع الأزهر بعد العبور مباشرة، قال للملايين المصريين أن شخصا أمينا صادقا هو السيد حسين الشافعي نائب رئيس الجمهورية آنذاك والذي كان مشهورا وقتها بتدينه البالغ حد الدروشة، أخبره أنه رأى فى المنام الرسول عليه الصلاة والسلام، وأنه تجول معه على الضفة الشرقية لقناة السويس، وأن الشافعى بعد أن رأى المنام طلب من د. عبد الحليم إبلاغه للرئيس السادات، وكما يقول صلاح عيسى فإن الخطبة “أحدثت ضجة شعبية عارمة إذ غازلت المشاعر الدينية العميقة للمصريين المسلمين وبدأ الناس يتحدثون عن إشتراك سيدنا النبي في صفوف المقاتلين في القنال، ولكن عقلاء كثيرين ومنهم بعض علماء الدين رأوا أن اشاعة مثل هذه الأفكار قد تخلق حالة من التواكل على جبهات القتال ينتج عنها ما لا يحمد عقباه، وهو ما حدث بالفعل بعد ذلك حيث تغلفت المعركة بجو من الخرافة والاعتماد على القوى الغيبية، بعض رجال الدين المستنيرين رأوا أن مسألة الحرب إنسانية محضة وربطها المباشر بالنبى يصلى الله عليه وسلم يعرض شخصه الكريم لأى اهتزاز أو هزائم مؤقتة قد تحدث فى المعركة، كما أن القول بأنه يحارب فى صفوف المقاتلين يفرض أن يكون النصر حتميا فإذا حدث لا قدر الله هزيمة، أفلا يؤثر هذا فى إيمان الذين تيقنوا من صحة هذا القول وصدقوه ؟ ولذلك أحس هؤلاء بألم بالغ عندما أعلنت أنباء الثغرة بعد فترة وجيزة”.
ربما يدهشك أن ما وعدت به في عنوان مقالي من تفنيد لظاهرة إدعاء رؤية النبي في المنام، سيكون على يد الشيخ حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، والذي فعل ذلك أثناء سعيه لوأد أول انشقاق شهدته جماعة الإخوان عليه، الوقائع المدهشة يرويها أبرز مؤرخي الجماعة وأكثرهم مصداقية وشعبية داخل الجماعة الأستاذ محمود عبد الحليم فى كتابه “الإخوان المسلمون ـ رؤية من الداخل”، والذي يحكي لنا عن إنشقاق خطير قاده إخواني شاب إسمه أحمد رفعت أخذ يعترض على كل تصرفات حسن البنا، وبدأ شباب الجماعة يتجمعون حوله شيئا فشيئا، مما أصاب حسن البنا بالقلق الشديد، كان رأي أحمد رفعت الغاضب يتلخص في أن الإخوان يجاملون الحكومات ويتبعون معها سياسة اللف والدوران وعدم المواجهة، وأنهم مقصرون تجاه الجهاد في فلسطين، وأنهم يجب أن يوزعوا زجاجات حبر على بعضهم ويدوروا في شوارع القاهرة لإلقائها على المتبرجات، وبدأت أفكاره تلقى رواجا لدى شباب الجماعة، وزاد من إنتشارها خطورة أنه ادعى أن سيدنا النبي يأتيه في المنام ويوجه إليه هذه الأوامر، وقد صدقه في ذلك عدد كبير من أعضاء الجماعة يصفهم محمود عبد الحليم بأنهم “من أكرم الإخوان وأخلصهم بلغت نفوسهم درجة من الشفافية حتى حلقت مع الملائكة”، وعندما زاد تحلق هؤلاء حول رفعت تمادى وبدأ يدعي أنه يتلقى من النبي الأوامر جهارا نهارا وهو في تمام اليقظة وأن سيدنا النبي يحضر معه الغداء ويتناول معه الطعام، وعندما تزايد مؤيدو رفعت، أخذ البنا قرارا بمقاطعة المركز العام الذي تكاثر فيه أنصار رفعت، ووجد صعوبة في الرد على إدعاءات رفعت، لولا أنه وقع على رأي فقهي للإمام الشاطبي وجد به ردا شافيا استطاع من خلاله القضاء على هذه الفتنة التي كادت تودي بالإخوان، كان رفعت يعتمد في إثبات ما يدعيه على الحديث الصحيح الشهير “من رآني في المنام فقد رآني حقا فإن الشيطان لا يتمثل بي”، وهو ما رد عليه الإمام الشاطبي صاحب كتاب (الإعتصام) الشهير برأي فقهي يغلق الباب في وجه الخرافة والنصب إلى الأبد، أو هكذا يفترض، حيث قال أن من يدعي رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في المنام كاذب إذا كان لم يعاصر النبي ولم يعرف ملامحه، وكما يقول الإمام الشاطبي في إجتهاده الذي استند إليه حسن البنا، فإن الحديث الوارد عن صحة رؤية النبي في المنام حديث صحيح دون شك، لكنه موجه إلى فئة معينة هي فئة الصحابة دون غيرهم لأنهم وحدهم الذين رأوه رأي العين وفي مخيلتهم صورته الحقيقية، وهم بذلك الذين يستطيعون إذا رأوا في منامهم من يدعي أنه رسول الله أن يحكموا هل من يتمثل صورته صادق أم كاذب؟، أما من سوى هؤلاء الصحابة ممن لم يروا النبي رأي العين، فكيف لهم إذا جاءهم في المنام من يدعي أنه رسول الله أن يحكموا بصحة إدعائه وليس في مخيلتهم صورته صلى الله عليه وسلم، ولذلك يكون من ادعوا وسيدعون رؤية النبي في المنام ممن لم يعاصروه ولم يعرفوا صورته، إما كاذبين أو حسني النية شُبِّه لهم أنهم رأوه.
(الغريب أنه برغم أن حسن البنا استخدم هذا الإجتهاد في إفحام أحمد رفعت ووأد فتنته، إلا إن الإخوان عادوا لإستخدام مسألة رؤية النبي في المنام لأغراض سياسية بعد ذلك، فقد كتبت القيادية الإخوانية زينب الغزالي في مذكراتها “أيام من حياتي” أنها وهي تعذب في الزنزانة على أيدي زبانية عبد الناصر الذين ملأوا زنزانتها بالماء وقبل أن تغرق رأت سيدنا النبي في الزنزانة، وهو ما رد عليه بعد ذلك اللواء فؤاد علام متهما إياها بالكذب والمبالغة. وها هم الآن يستخدمون حديث الرؤية لدعم رئيسهم الفاشل محمد مرسي، وبالطبع لن يتذكروا الآن ما استند عليه حسن البنا في تكذيبه تكذيبا قاطعا، وسيجدون تخريجة فقهية أخرى تكذب إجتهاد الإمام الشاطبي رحمه الله، بدلا من أن يأخذوا بأسباب النهضة والتطور، وينصروا الله بالصدق والإلتزام بالوعود لعل الله ينصرهم ويصلح أحوالنا وأحوالهم).
هذا وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر، ولو شاء لهداكم أجمعين.