سيحسن أنصار جماعة الإخوان لأنفسهم لو كفوا عن اعتماد نظرية المؤامرة وحدها دون غيرها في تفسير الإطاحة بهم من الحكم، وبدأوا في نقد الذات قليلا وتأمل ما جاء في كتب التراث ليدركوا كم كانوا بعيدين حتى عن الأفكار الإسلامية التي كانوا يزايدون على الجميع بها. لو تأملوا على سبيل المثال لا الحصر ما يقوله الإمام الفخر الرازي في تفسير آية «وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون» : إنه تعالى لا يهلك أهل القرى بمجرد كونهم مشركين إذا كانوا مصلحين في المعاملات فيما بينهم، والحاصل إن عذاب الإستئصال لا ينزل لأجل كون القوم معتقدين بالشرك والكفر، بل إنما ينزل لذلك العذاب إذا أساءوا في المعاملات وسعوا في الإيذاء والظلم، ولهذا قال الفقهاء: إن حقوق الله تعالى مبناها على المسامحة والمساهلة وحقوق العباد مبناها على الضيق والشح.
للأسف لا يعترف الإخوان وأنصارهم أبدا بأنهم كانوا شركاء في ترسيخ قوة الأجهزة البوليسية التي انقلبت عليهم، ولا يتوقفون للحظة عند تقارير المنظمات الحقوقية التي رصدت حالات مفزعة من الإنتهاكات التي حدثت خلال حكم مرسي، ويروجون بدلا من ذلك لأفكار تقول أن مرسي تم خلعه من كرسيه لأنه لم يغضب ولم يقمع بالشكل الكافي، وهو ما يرد عليه الصحابي عمير بن سعد فيما يرويه عنه الإمام السيوطي في (المحاضرات والمحاورات): «إن الإسلام حائط منيع وباب وثيق، فحائط الإسلام العدل وبابه الحق فإذا قوض الحائط وحطم الباب استفتح الإسلام، فلا يزال الإسلام منيعا، ما اشتد السلطان، وليس شدة السلطان قتلا بالسيف ولا ضربا بالسوط، ولكن قضاء بالحق وأخذ بالعدل»، ولذلك يُروى في تاريخ الخلفاء أن عامل محمص كتب إلى عمر بن عبد العزيز إن سور المدينة قد تهدم فإن أذن أمير المؤمنين في أصلاحه، فكتب إليه: حصن مدينتك بالعدل ونق طرقها من الظلم فإنه حصنها. وهي قصة ابتذلها الإخوان من كثر ما رواها دعاتهم ووعاظهم، لكنهم لم يعملوا بحرف منها عندما حكموا.
في أخبار الحكماء للقفطي تأتي وصية منسوبة إلى الحكيم هرمس وجهها لأحد الملوك: أول ما أوصيك به تقوى الله وإيثار طاعته، ومن تولى أمور الناس فيجب عليه أن يكون ذاكرا ثلاثة اشياء: أولها أن يده تكون على قوم كثير، والثاني أن الذين يده عليهم أحرار لا عبيد، والثالث أن سلطانه لا يلبث، واعلم أن الرعية تسكن إلى من أحسن إليها وتنفر ممن أساء، والسلطان برعيته فإذا نفروا عنه كان سلطان نفسه». وفي (مروج الذهب) يروي المسعودي أن بعض شيوخ بني أمية سئلوا عقب زوال الملك عنهم إلى بني العباس: ما كان سبب زوال ملككم؟، فقالوا: إنا شُغلنا بلذاتنا عن تفقد ما كان تفقده يلزمنا فظلمنا رعيتنا فيئسوا من إنصافنا وتمنوا الراحة منا، وتحومل على أهل خراجنا فتخلوا عنا وخربت ضياعنا فخلت بيوت أموالنا ووثقنا بوزرائنا فآثروا مرافقهم على منافعنا وأمضوا أمورا دوننا اخفوا علمها عنا، وتأخر عطاء جندنا فزالت طاعتهم لنا واستدعاهم أعادينا فتظاهروا معهم على حريتنا، وكان استتار الأخبار عنا من أوكد أسباب زوال ملكنا».
وفي كتابه الرائع (المستطرف الجديد) يروي هادي العلوي تحت عنوان (من مساوئ الإعلام الرسمي) نقلا عن أبي سليمان البستي في كتاب (العزلة): إن الذي يحدث للسلاطين التيه في أنفسهم والإعجاب بآرائهم كثرة ما يسمعونه من ثناء الناس عليهم، ولو أنهم أنصفوهم فصدقوهم عن أنفسهم لأبصروا الحق ولم يخف عليهم شيئ من امورهم. ويروي أبو حيان التوحيدي في (مثالب الوزيرين) عن الصاحب بن عباد: هكذا يفسد من فقد المخطئ له إذا أخطأ والمقوّم له إذا اعوجّ والموبخ له إذا أساء، لا يسمع إلا صدق سيدنا وأصاب مولانا.
كان كثير مما جاء في التراث الإسلامي سيفيد الإخوان كثيرا لو قرأوه قبل فوات الأوان، فهل يقرأه ويتدبره ويعمل به الذين ورثوا الحكم من بعدهم قبل أن يفوتهم الأوان.