•تخيل لو تم إنتاج برنامج تلفزيوني من داخل سجن طرة على غرار برنامج «عرب أيدول» أو «إكس فاكتور» يشترك فيه كل رموز النظامين البائدين: نظام مبارك ونظام جماعة الإخوان ليستعرضوا مواهبهم في الغناء والرقص والتمثيل والإنشاد، ما هي نسبة المشاهدة التي يمكن أن يحققها برنامج كهذا؟، وكم هو العائد الإعلاني الذي يمكن أن يحققه برنامج كهذا على منتجيه وعارضيه والمشاركين فيه والذي يمكن أن يوفر لهم فرصة للكسب الشريف حتى يخرجوا من السجن ويستمتعوا بأموالهم المهربة إلى الخارج أو المتستفة في الداخل؟.
ليست هذه الفكرة من وحي خيالي تماما، فقد فكرت فيها بعد أن قرأت عن برنامج مماثل تم إنتاجه في الهند، وبالتحديد في سجن (تيهار) أكبر سجون جنوب آسيا، حيث تم عمل برنامج تلفزيوني لإستعراض مواهب المساجين في الغناء والرقص والتمثيل، تنافس فيه أكثر من ستين سجينا في البرنامج الذي حمل إسم «تيهار أيدول»، المتسابقون في البرنامج يختلفون في التهم التي دخلوا السجن بسببها وفي مُدد السجن التي يقضونها لكنهم جميعا من المساجين الجنائيين الصغار الذين يتفقون على شيئ واحد هو أنهم جميعا أبرياء والتهم ملفقة لهم ظلما، ومع أن البرنامج شد انتباه ملايين الهنود الراغبين في مشاهدة شيئ حقيقي بعد مللهم من ممثلي بوليوود، إلا أن الناس كانت تأمل أن يشارك في البرنامج مشاهير الفاسدين من السياسيين الذين يقضون عقوبتهم في السجن، وعلى رأسهم وزير الإتصالات الهندي السابق المتهم باشتراكه في عملية إحتيال تكلفت 22 مليون جنيه استرليني، وربما يكون حرامية بلادنا الكبار ومفسديها السياسيين أوسع صدرا فيشتركوا في برنامج مثل هذا يمكن أن يغير مفاهيم صناعة الترفيه إلى الأبد.
•تخطئ لو ظننت أن سوء الفهم الذي تعاني منه الليبرالية في بلادنا أمر قاصر علينا فقط، ستكتشف ذلك وأنت تقرأ تقريرا نشرته مجلة ذي ويك الأمريكية يكشف كيف كانت كلمة الليبرالية في الولايات المتحدة حتى ثمانينات القرن الماضي «كلمة قذرة وأقرب إلى أن تكون تهمة بسبب سياسات رونالد ريغان والمحافظين الذين نجحوا في إقناع الشارع الأمريكي لفترة طويلة بأن كلمة ليبرالي سيئة السمعة، لدرجة أنه تم الربط بينها وبين كلمتي شاذ وسحاقية»، وهو ما أخذ وقتا طويلا لكي يتغير، حتى تصل في استطلاع أجري العام الماضي فقط درجة الناخبين الذين يعرفون أنفسهم على أنهم ليبراليون إلى ربع الناخبين فقط، بينما كانت هذه النسبة في عام 2008 تبلغ 22 في المائة فقط، وكانت أيام انتخاب ريجان في 1984 تبلغ 17 في المائة فقط، أي أنها ظلت كل هذه السنين تتقدم ببطء شديد، وتطلب الأمر مجهودا كبيرا من الليبراليين لتقديم أنفسهم بصورة جيدة في الشارع الأمريكي، تقرير المجلة يعتبر أن زيادة نسبة الليبراليين في المجتمع الأمريكي تحقق بفضل أوباما الذي لم يصف نفسه بشكل واضح أنه ليبرالي لكي لا يخسر أصوات الناخبين، لكن سياساته جعلت الناس يرونه هكذا، كما أن الليبراليين نجحوا في الإستفادة من فشل المحافظين الذين يمرون بأزمة حادة تجعل العديد من وجوههم السياسية تطالب بإعادة مخاطبة الجمهور لإستعادة البساط الذي سحبه الليبراليون من تحت أقدامهم. الليبراليون كما يقول التقرير استفادوا من زيادة عدد غير المتدينين في أوساط الناخبين من 18% إلى 24%، ومن زيادة خريجي الجامعات من 48% إلى 53%، كما أنهم استفادوا من حقيقة مهمة من شأنها أن تغير الكثير في المستقبل السياسي للولايات المتحدة هو أن العام الماضي شهد للمرة الأولى في تاريخ أمريكا كون أكثر من نصف المواليد من السود واللاتينيين والآسيويين وأعضاء الأقليات العرقية. آخر معلومة مثيرة للإهتمام في التقرير هو أنه برغم وجود حزبين كبيرين يحتكران التنافس على السلطة في أمريكا هما الحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي، فإن 37 في المائة من الناخبين الأمريكيين يؤكدون أن آراءهم السياسية لا يعبر عنها بشكل جيد أي حزب سياسي قائم، في حين قال 28 في المائة فقط أن الحزب الديمقراطي يعبر عنهم بشكل جيد، وقال 23 في المائة أن الحزب الجمهوري عبر عنهم بشكل جيد، يأتي هذا بعد عقود طويلة من الممارسة السياسية، فما بالك بنا نحن الذين لا زلنا نحبو في دنيا الديمقراطية ومع ذلك جميعنا يتعجل النتائج في مشوار لا سبيل لقطعه إلا إذا ذكرنا أنفسنا كل لحظة بأنه ليس فقط مشوارا طويلا، بل هو في حقيقة الأمر مشوار لا نهاية له أبدا. ويدينا ويديكم طولة العمر.