خالد محمود يكتب: «أوتويا 22 يوليو» محاولة سينمائية للتعافى من آثار الهجوم المتطرف على معسكر شباب النرويج - بوابة الشروق
الخميس 27 يونيو 2024 10:03 ص القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

خالد محمود يكتب: «أوتويا 22 يوليو» محاولة سينمائية للتعافى من آثار الهجوم المتطرف على معسكر شباب النرويج


نشر في: الأحد 4 مارس 2018 - 10:51 ص | آخر تحديث: الأحد 4 مارس 2018 - 10:51 ص

• استعانة المخرج بشهادات الناجين من الحادث يضفى مصداقية شديدة.. ودموع المشاهدين لم تتوقف طوال العرض
«داخل قاعة العرض بمهرجان برلين السينمائى، كانت تجلس بجوارى سيدتان تهمسان دموعا على مدار 90 دقيقة تقريبا هى مدة عرض الفيلم النرويجى «أوتويا ٢٢ يوليو»، وكأن تلك الدموع بمثابة الموسيقى التصويرية التى تعزف شجنا وتتوحد مع تلك المأساة والذكرى الأليمة التى يطرحها الفيلم.

اختطفتُ نظرة على استحياء لوجه إحداهن.. وكان لسان حالى يسأل عن تلك الدموع، فنظرتْ إلىّ احداهما نظرة دهشة من خلف نظارتها باندهاش وكأنها تسأل عن دموعى أنا ايضا!.

فى تلك اللحظه وجدتنى أرى مشاهد الفيلم باحساس مختلف وشعور توحد اكثر مع شخصيات القصة المروعة التى يقدمها المخرج اريك بوب فيما يشبه الملحمة السينمائية بصورتها واداء ابطالها وصراخهم وخوفهم من الموت بطلقات الموت العشوائى، والتى سوف يشاهدها العالم يوم ١٩ إبريل القادم بدور العرض.

الفيلم الاسطورة تم تصويره «وان شوت»، وهو تحدٍ كبير لكل صناعه، وكأنهم أرادوا أن نعيش زمن اللحظة كما حدثت فى الواقع.

فى يوليو 2011، هاجم مسلح يمينى مدجج بالسلاح خمسمائة شاب يحضرون معسكرا صيفيا فى جزيرة أوتويا فى تيريفوردن بالنرويج. وأسفر الهجوم القاتل عن مقتل 69 شخصا، وأصيب ٦٦ شخصا.. كثير منهم مراهقون.. تلك كانت الصدمة التى هزت النرويج من الداخل ومازالت حتى يومنا هذا؛ حيث تكرر الحادث من نفس المهاجم قبل شهور بسيارة مفخخة ما اسفر عن مقتل ثمانية اشخاص، وقد تجرأ المخرج إيريك بوب فى محاولة لتحويل أحداث ذلك الصيف إلى فيلم تتفتح به الدراما مع لقطات وثائقية من أوسلو، ثم يتحول المشهد إلى الجزيرة. وتتبع الكاميرا الفتاة «كاجا» البالغة من العمر 19 عاما «أندريا برنتزن»، بينما تحاول النجاة بحياتها فى الغابات وعلى الشاطئ وفى البحر، وهى التى كانت تقضى بضعة أيام من العطلة هنا مع شقيقتها الصغيرة إميلى.. التى تهوى اللعب ولها مزاجها الخاص، وهو ما يجعل بينهما مشاجرات دائمة، وعندما تطلب كاجا من اختها أن تذهب معها إلى مطعم المشويات، ترفض إميلى، وتذهب كاجا وحدها، وفجأة، يسمع أول طلقة نارية.

هذه اللقطة الأولى تمثل بداية إعادة لمشهد مأساوى لا مثيل له لمدة 72 دقيقة من الأحداث، وتصويره فى مسار واحد، كما رأينا من خلال عيون الضحايا. ولم تعثر كاجا عن اختها وبقيت يائسة من البحث عنها.. لنرى الخوف فى عيون الشباب وهروبهم إلى الغابة وقد بدت محاولاتهم يائسة من الإنقاذ من قاتل مجهول.

تكشف الدراما المثيرة التى كتبها آنا باش وراجندرام إلياسن أسوأ يوم فى تاريخ النرويج الحديث، حيث كتب عن تقارير الشهود وحقائق معروفة من الهجوم الإرهابى فى عام 2011، ومستفيدا من حوارات موثقة مع العديد من الناجين، واقارب الضحايا، بينما حملت شخصيات الفيلم اسماء من الخيال، ومع ذلك فرضت المعالجة الفنية بأسلوبها غير العادى نفسه ليبدو العمل للمتفرج واقعيا.

قال المخرج إريك بوب «كتابة هذا السيناريو كان هو واحد من أكثر الأشياء المخيفة التى قمنا قمنا بها. فالفيلم هو محاولة صادقة لتقديم قصة الضحايا، وكانت المعالجة الفنية صحيحة، لكننا كنا ندرك دائما أنه سيكون تحديا، وأن عرضه فى مسابقة مهرجان برلين كان أكبر تكريم لعملنا».

دون شك لجوء اريك بوب لتحويل هذه القصة الصعبة إلى قماشة سينمائية مدهشة هو أمر مثير للإعجاب، سواء فى تعبيره الإنسانى عن الذعر والارتباك اللذين لا يمكن تصورهما لدى مجموعة الشباب والاطفال أو الخيارات المستحيلة التى يواجهها الضحايا، وكيف تسللت اللحظة الارهابية لتعيش معهم بقية حياتهم وكأن المخرج اراد للجمهور ان يكون أكثر اهتماما بالقصة والموضوع من حب الفيلم.. لكننا وقعنا ايضا فى غرام العمل بقدر تأثرنا بالقصة.

الفيلم جزء من عملية تعافٍ لواحدة من أفظع الأحداث التى شهدتها النرويج.. هكذا قال ايضا اريك بوب وهو يعيد سرد احداث الواقعة، وقد جرى تصوير الفيلم على جزيرة أخرى قريبة من أوتويا، ولم يعتمد المخرج فيه على المونتاج، بل صوره فى لقطة واحدة. ويتتبع الفيلم كاجا، وهى مراهقة، وهى تحاول النجاة بحياتها فى الغابات وعلى الشاطئ وفى البحر. ويراها المشاهدون وهى تحاول باستماتة أن تبحث عن شقيقتها الصغرى وتواسى مراهقا يحتضر وتغنى لنفسها وهى ترتعد من الخوف فوق تل. ولا يظهر المسلح إلا بشكل عابر وعن بعد.

المشاعر حول توقيت عرض الفيلم، الذى جعل القلوب ترتجف، كانت متفاوتة؛ اذ قال البعض إنه تم عرضه قبل الأوان لكن بعض الناجين من الهجوم قالوا للمخرج إن عليه ألا ينتظر.

والواقع – بحسب بوب ــ إذا لم يكن الفيلم مؤثرا ومؤلما فساعتها سيكون قد تأخر كثيرا. لذا أقول بكل ثقة إن «الأمر صعب لكنه أيضا جزء من عملية التعاف».

وأضاف «قررنا أن نصنع قصة شبه خيالية لأسباب أخلاقية حتى لا يضطر الأهالى والشقيقات والأشقاء لرؤية هذا والتفكير.. هل هذه أختى أو أخى؟ هل هذه ابنتى؟».

وأشار إلى وجود أطباء نفسيين فى موقع تصوير الفيلم لمساعدة الممثلين وسكان الجزيرة التى شهدت تصوير الفيلم.

وقال: «بالنظر فى أنحاء أوروبا اليوم وإدراك أن الفاشية الجديدة تنمو يوما بعد يوم علينا أن نتذكر ما حدث على تلك الجزيرة، وما يمكن أن يبدو عليه تطرف التيار اليمينى».

بينما صرحت الناجية إنجريد فاج إندريرود: «إن كثيرا من النرويجيين يرون أنه من المستحيل سرد قصة هذا الفيلم.. وعندما أحاول أن أشرح ما مررت به لا أستطيع سوى أن أحكى عن الأمر عن بعد، وهنا يمكن للفيلم وفن السينما أن يحكيا القصة بطريقة أخرى لا تستطيعها الكتابة والسرد».

وأضافت: «هذه كراهية فى أكثر أشكالها وضوحا.. وعلينا كمجتمع أن نتصدى لها».

القيمة الاخلاقية والغرض النهائى المتمثل فى إضفاء الطابع الجمالى على الفظائع كان بفيلمنا احد أهم العناصر التى تثمن العمل السينمائى، وكان التصوير أكثر اقناعا وواقعية للايهام بنوايا المشتبه بهم، فالكاميرا المحمولة تلازم الفتاة ورفقاءها، وتصور محاولات الشباب الهروب من المسلح، فضلا عن إظهار كيفية تعاملهم مع بعضهم البعض وكفاحهم من أجل التوصل إلى أفضل السبل للبقاء على قيد الحياة، أثناء محاولتهم فهم نوع الهجوم الذى كانوا تحته.. وكم كانت الجملة التى قالتها البطلة فى عين الكاميرا، موجهة كلامها للمتفرج: «أنت لم تفهم ابدا»، حيث يتناول الفيلم لماذا استغرق الأمر وقتا طويلا حتى تحصل السلطات النرويجية على أى مساعدة للجزيرة.

كان أداء الفتاة «أندريا برنتزن» رائعا، وأضفت نوعا من المصداقية بمشاعرها الفطرية والاثر النفسى، وخاصة فى مكالمتها الهاتفية لأمها والتى تتنبأ بكابوس قادم.

وعرض الفيلم فى مسابقة المهرجان، الذى لا يفوت فرصة لتسجيل مواقف سياسية.. والذى حاز تصفيق الحضور طويلا.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك