رجائي عطية ونقاش هادئ لتجديد الفكر والخطاب الديني (2-3): تجديد الخطاب لا يعني التغيير في الدين - بوابة الشروق
الجمعة 20 سبتمبر 2024 3:51 م القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

رجائي عطية ونقاش هادئ لتجديد الفكر والخطاب الديني (2-3): تجديد الخطاب لا يعني التغيير في الدين

عرض وتحليل - طلعت إسماعيل:
نشر في: الأحد 9 يونيو 2024 - 8:00 م | آخر تحديث: الثلاثاء 11 يونيو 2024 - 6:43 م

 الكاتب والمفكر والقانوني الراحل رجائي عطية

 

  • تجديد الخطاب لا يعنى التبديل أو التغيير فى الدين

  •  ذِكر السند فى الأحاديث النبوية الشريفة هو ما التزمه البخارى ومسلم مما أدى إلى استبعاد آلاف من الروايات غير المثبتة

  • التعريف الصحيح بالإسلام أول واجبات التجديد

  • مَن يسخرون مِن «العنعنات» لا يدركون أنها سبيلنا مع علم الحديث للبحث فى ثبوت نسبة الحديث من عدمه

  •  قِصر قضية تجديد الخطاب الدينى على فئة معينة لا يعد مصادرة لحرية الرأى والتعبير

  • فرق كبير بين بعض المتطفلين بغير علم على الدين والتجديد فيه وما بذله العقاد فى التعريف بالإسلام والدفاع عنه

 

الكاتب الصحفي طلعت إسماعيل مدير تحرير جريدة الشروق

 

تطفو على سطح الحياة السياسية والثقافية من وقت إلى آخر دعوات لتجديد الخطاب الفكرى والدينى، وتندلع المعارك حول من يقود خطاب التجديد حينها، وقضايا التجديد ذاتها فى غالبية الأحوال.

وبين كر وفر لا تحط المعركة أوزارها، ربما تخفت حدتها بعض الوقت، لكن سرعان ما تتجدد بين فريق يحمل شعار الحداثة والتجديد للخروج من ركود الأفكار التى تثقل كاهل المجتمع وتحد من انطلاقه لتجاوز واقع صعب يتطلب النهوض، وفريق يتصدى له، ويقول إن دعوته وشعاراته هى كلمات حق يراد بها باطل، فهى تريد هدما لمبادئ وقواعد سار عليها المجتمع لمئات السنين، والعقيدة الدينية فى القلب منها. فيما يبقى ضلع المثلث الأخير والأهم، وهو «الجمهور العام» ينتظر انقشاع غبار المعارك الفكرية والثقافية المتماسة مع القضايا الدينية، حتى يعرف أين يضع أقدامه فى الميدان.

وفى هذا الكتاب «تجديد الفكر والخطاب الدينى» الصادر عن «دار الشروق» يقدم مؤلفه المفكر ونقيب المحامين الراحل رجائى عطية، رؤيته لها القضية الشائكة، عبر تجربته الطويلة كمحامٍ مرموق، واضطلاعه بقضايا الشأن الإسلامى فقد كان، رحمه الله، عضوًا فى المجلس الأعلى للشئون الإسلامة وخبيرًا بهيئة كبار علماء الأزهر الشريف.

عقب حديثه المسهب بشأن الفهم والخطاب المطلوب تجديده، والوقوف بالشرح والتحليل على قضية الاستناد إلى السنة المشرفة بعد القرآن الكريم فى الأحكام الشرعية، يقدم الأستاذ رجائى عطية فى كتابه: «تجديد الفكر والخطاب الدينى» المزيد من الشرح لمفهوم التجديد فيقول: دعونا نتفق ابتداءً أن التجديد فى الدين أو فى خطابه، لا يعنى إنكارا أو إلغاء للدين، ولا يعنى تغييره ولا تفصيله على الهوى، وإنما يكون التجديد فى فهم لا يخرج عن الدين، ولكنه يعطى رؤية متجددة لمفهوم النص، دون الخروج عليه، وفى أساليب وكيفية عرض وتقديم الخطاب، وفى الإعمال الواعى لمقاصد الشريعة، والتبصر بما يسمى فقه الأولويات، دون أن يكون ذلك سبيلًا للخروج على الأحكام أو التلاعب فيها، ومن هنا كان ضروريًّا ولازمًا لكل باحث، أن يلم إلمامًا صحيحًا بطرق ووسائل وأدلة استنباط الأحكام من النصوص.

وعن النص الأساسى المستهدف للإلمام الصحيح بطرق ووسائل استنباط الأحكام يقول «هو القرآن الكريم، ثم السنة النبوية، ويلحق البعض بهما «الإجماع»، حالة كونه قد أفرغ ــ بعد تحققه ــ فيما يعد من النصوص، وقد رأى البعض اعتبار «فتوى الصحابى» مصدرًا تاليًا للإجماع يتغياه الباحث الساعى لاستنباط الأحكام.

 ويعود المؤلف للتأكيد على أن التجديد الذى يتحدث عنه، هو «تجديد فى الفهم وفى الخطاب وكيفيته وأسلوبه، ومتابعة واعية فاهمة للمقاصد، والتزام رشيد مخلص بفقه الأولويات، الذى يعنى بجوهر الإسلام وقيمه ومبادئه، ورشيد شريعته وأحكامه، وأن لا ينصرف أساسًا إلى القشور أو المرجوح أو المهجور البعيد تمامًا عن التطبيق، وإنما يقدم الأهم على المهم والمهم على ما يليه، وصولًا إلى غايةٍ من المتفق عليه أنها للتجديد فى الخطاب الدينى، وليست تبديلاً ولا تغييرًا فى الدين، ولا لإساغة مخالفته ولا تفصيله على الهوى، ولا هو لاتخاذه تكئة للهدم والتشويه والإساءة!».

ويوجه المؤلف جملة من الانتقادات للبعض ممن يدعون احتكار العلم والمعرفة فيخوضون فيما لا يفهمون فيه ويقول بنبرة أسى: «من الظواهر المؤسفة أن البعض قد طفق يتحدث فى كل شىء حديث العالم العارف به، والبعض قد جاوز الثقة والاعتداد بما يقود إلى الغرور والضيق بغيره، وربما تسفيهه أو ازدرائه، وربما انجرف إلى السب والتجريح، وحين يجتمع الغرور مع قلة العلم، ويصاحبهما التطاول والمصادرة الجهولة، تمسى الطامة مزدوجة متراكبة، تنحى إلى تشويش قد يفتن ويضر فى الوقت ذاته بعقائد البسطاء».

لكن هل معنى ذلك أنه ليس من حق أحد الحديث فى قضية تجديد الخطاب الدينى وقصرها على فئة معينة، وألا يعد ذلك مصادرة على حرية الرأى والتعبير؟ هنا يبادر عطية بالرد قائلا إن كلماته لا تعنى المصادرة على أحد، «كما أنها ليست معنيةً بأشخاص بذواتهم، حتى من ساءت فى نظرها نواياهم، ولا هى تدعى احتكار العلم أو احتكار المعرفة والحكمة والصواب، وإنما تريد أن نتبين معًا ــ قدر استطاعتنا ــ مفهوم التجديد وميادينه وكيفيته، بلا تعصب ولا عصبية، وبلا تسفيه ولا إساءة، وهذه الغاية متفق عليها لدى أسوياء النية والهدف والغاية».


سؤال أساسى

ويكرر المؤلف فكرته بشأن المقصود من تجديد الخطاب الدينى وهواجسه بشأن سؤال أساسى: «هل نعنى به تجديد الدين، أم تجديد الفكر الدينى، أم تجديد الخطاب الدينى»، مؤكدا أن هذه المفاهيم «ليست متطابقة»، وينبغى أن تكون واضحة لكل من يتصدى منا لهذه القضية البالغة الأهمية، لأن الملاحظ أن البعض «يمد هذا التجديد ــ وفقًا لتصوره ــ إلى متن النص القرآنى أو النبوى، ودون أن يضع لذلك حدودًا أو ضوابط أو تمييزًا، ويخلط فى شأن السنة، بين قطعى الورود، الثابت وروده بيقين، وبين غير قطعى الورود، وما يستوجبه ذلك من وجوب البحث فى مرتبة ثبوت وروده، وربما خَلَطَ البعض بين الثبوت وبين الدلالة، وهذه مسألة أولية يؤدى الجهل بها إلى ضلال بعيد».

 ويستطرد «القرآن كله قطعى الورود والثبوت، ولكن هذه القطعية لا تشمل كل الدلالات وتأويلات النصوص. فإذا جاز اجتهاد العلماء العارفين فى فهم وتفسير الدلالة، إلَّا أن قطعية الثبوت بمعنى صدوره وحيًا عن الله عزَّ وجلَّ، ليست مجالاً لاجتهاد، فالقرآن الكريم كله قطعى الورود والثبوت».

أما السنة النبوية، فإن باب النظر فى ثبوت نسبتها إلى الرسول عليه الصلاة والسلام مفتوح؛ للعلماء والعارفين وطبقًا لضوابط لم يهمل القدماء والمحدثون من العلماء فى وضعها لنا؛ لتهدينا إلى البحث والدراسة لترتيب السنة تبعًا لدرجة الثبوت؛ حمايةً للحديث النبوى من ظاهرة الوضع الذى نسب إلى الرسول عليه الصلاة والسلام ما لم يصدر عنه، وهذه الضوابط هى التى بذل فيها السابقون من كتاب السيرة غاية جهدهم فى البحث والتمحيص، وكان من الضوابط التى التزموها ذكر السند وفى كل رواية من الروايات التى روى بها الحديث مهما تعددت؛ لأن هذا هو مناط ترتيب الحديث من ناحية الثبوت، بين المتواتر، والمشهور، وما يتلو ذلك من مراتب يعرفها علماء الحديث والمهتمون بدراسته».

 ويشير عطية إلى أن ذكر السند فى الأحاديث النبوية الشريفة، «هو ما التزمه البخارى ومسلم وغيرهما؛ هو ما أدى إلى استبعاد آلاف عديدة من الروايات التى لم تثبت، وسبيل ثبوتها هو البحث فى السند وقوته وأمانته وصدقه؛ ولذلك كثر فى كتب الصحاح ما يسمى اختصارًا «بالعنعنات»، وهى ذكر أسماء الرواة: فلان عن فلان عن فلان وهكذا، ولذلك تعجبت كثيرًا حينما طالعت سخريةً لاذعةً من «العنعنات»، وهى لا تدرك أن هذه «العنعنات» المستهزأ بها، هى سبيلنا مع علم الحديث وعلوم التجريح (أحد فروع علم الحديث)؛ للبحث فى ثبوت نسبة الحديث من عدمه، وفى مراتب السنة تبعًا لدرجات هذا الثبوت».

رجائي عطية

 

واجبات التجديد

وحتى يكون الهدف واضحا من الرغبة فى التجديد، يشير عطية إلى أن «التعريف الصحيح بالإسلام، هو أوجب واجبات التجديد؛ لأن الإسلام كما أنزله الله، هو «المصدُّ» الحقيقى ـ إن جاز التعبير من باب المجاز ـ للأفكار الشاردة، والتطرفات الجامحة، ففى عقيدة الإسلام، وشريعته، ما يكفل دحض كل ذلك، وكشف مخالفته للإسلام وقيمه ومبادئه وأحكامه وسماحته».

لكن هل هذا التعريف مسكوت عنه؟ يجيب أن هذا ليس صحيحا، «فالذى يتابع ما يجرى يلمس الدور الكبير المبذول فى بسط صحيح الإسلام، سواء فى رحاب الأزهر الشريف وبين علمائه، أو المفكرين من غير الأزهريين، الذين بذلوا العمر والجهد للتعرف على الإسلام، والمنافحة عنه، وتقديمه إلى الناس، مسلمين وغير مسلمين».

 ويبدى عطية إعجابه بالدور الكبير الذى لعبه الأستاذ عباس العقاد فى هذا الإطار ويقول «إن المرء ليشعر بالخجل، حين يقارن ما يجرى الآن من بعض المتطفلين بغير علم، على الدين والتجديد فيه، وبين ما بذله شخص واحد كالأستاذ عباس العقاد، فى التعريف بالإسلام، والمنافحة عنه، فى سلسلة مؤلفاته الموسوعية الضافية، وفى مقالاته المتفرقة التى ضمتها مجموعات عنيت بتقصيها وجمعها. وهو تعريف ينطوى أيضًا على تجديد؛ لأنه بَسَطَ رؤية رفيعة عميقة فى الفهم، كثير منها غير مسبوق، نراه ــ على سبيل المثال ــ فى كتبه مثل: الله، الفلسفة القرآنية، التفكير فريضة إسلامية، الإنسان فى القرآن الكريم، ما يقال عن الإسلام، الديمقراطية فى الإسلام، حقائق الإسلام وأباطيل خصومه، المرأة فى القرآن الكريم، الإسلام دعوة عالمية، الإسلام والحضارة الإنسانية، وأثر العرب والإسلام فى الحضارة الأوروبية».

 وعقب تقديمه ملخصا لأهم القضايا التى ركزت عليها مؤلفات العقاد وتناولها العميق للعقيدة الإلهية، وقيامها فى الإسلام على الوحدانية والمثل الأعلى، وما يتعلق بها فى مسألة الروح، وفى عقيدة النبوة التى برأت فى الإسلام من الشوائب الغليظة التى لصقت بالنبوات السابقة يسأل عطية: أين ما تقدم وغيره من الممارسات الجارية الآن؟! وأين هذا وغيره مما كتبه العقاد، وكتبه غيره من آلاف الكتب، من الأزهريين وغير الأزهريين، وما ألقوه من خطب ومواعظ ومحاضرات، فى بيان الإسلام والتعريف الصحيح به؟ أين هذا وغيره مما لا يتسع الحيز لطرحه، مما صرنا نراه ممن يقتحمون الساحة بغير علم، أو بقليل مبتور من العلم وكثير من الغرض، أو ممن توافر لديهم العلم ولكن غلبتهم مآربهم وتطلعاتهم فى الوصول إلى ما لم يُتح لهم، وما ينحدرون إليه على اختلافهم من رغاب الاستعراض، ومن التشويه، ومن بث البلبلة، وانتقاء المهجور للمزاحمة به والتشويش على قيم ومبادئ الدين وشريعته».

مسئولية الكلمة

فى جانب من كتابه يحذر عطية من الانزلاق إلى القضايا الفرعية، والجدل فى توافه الأمور ويقول إن الكلمة مسئولية، ولا يجب استخدامها فى الإساءة والتضليل فقد وصف القرآن الكلمة الطيبة بالشجرة الطيبة، والكلمة الخبيثة بالشجرة الخبيثة. وللتدليل على ضرورة ترك الأمور التفاهة يعود إلى التاريخ الإسلامى عندما «جاء نفرٌ من أهل العراق إلى عبد الله بن عمر بن الخطاب يسألونه فى حكم دم البرغوث، فهاله تفاهة وتنطع السؤال، فأجاب السائلين لافتًا ومنبهًا ومقرعًا: (قتلتم ابن بنت رسول الله وأتيتم تسألون عن دم البرغوث؟!)».

 ويستفيض فى هذه النقطة قائلا «من خطاب الأولويات، أو ما يسمى فقه الأولويات، تقديم الأصول على الفروع، والأهم على المهم، والمهم على غير المهم، وتقديم فرض العين على فرض الكفاية، وتقديم صلاح الباطن ونقائه من الغش والرياء والكبر والنفاق، على المظاهر والمراسم، وتقديم النهى عن الكبائر على الاهتمام بالصغائر، وتقديم الفرائض على النوافل، والسلم على الحرب، والسماحة على الحقد والثأر والانتقام، وتقديم مصالح الجماعة على رغاب الفرد، ومقاصد الشريعة وغاياتها على الوسائل والآليات».

ويعود المؤلف إلى تجربة شخصية للتأكيد مجددا على أن الكلمة مسئولية فيقول «دعيت فى منتصف تسعينيات القرن الماضى، إلى الحديث فى ملتقى الفكر الإسلامى ــ كما فى رمضان من كل عام ــ الذى يعقد فى باحة الإمام الحسين رضى الله عنه، فاخترت موضوعًا لحديثى «عالمية الإسلام»، لا للفخر والتباهى بالإسلام، وإنما لبيان أن هذه العالمية تعنى الامتداد بغير حد فى المكان وفى الزمان إلى يوم الدين، وأن هذا الامتداد المكانى والزمنى، وخاتميته، فضلًا عن مخاطبته للناس كافة، يعنى «مسئولية».. على كل مسلم أن يعيها وأن يلتزم بغاياتها، وأن يتفطن إلى أن هذه «العالمية» قد اقتضت أن يكون الدين جاذبًا مُحَبَّبًا، لا طاردًا ولا منفرًا، وهو لا يمكن أن يحقق هذه الغاية الكريمة إلَّا بالكلمة الطيبة والموعظة الحسنة، لا بالذبح والقتل والعنف والإهلاك، وأنه لم يفهم الإسلام من يتوهم أنه خنجر أو مدفع أو قنبلة، أو يغيب عنه أن مرامه هو الهداية لا الأمجاد».

 ويتابع «حين طرحت ذلك، قصدت أن نتبين معًا خريطةً لتجديد الخطاب الدينى الذى كثر الحديث عنه، دون التفطن إلى مضمونه وأسلوبه، ودون إدراك أن هذا التجديد يقتضينا أن نستحضر مبادئ وقيم الإسلام، وأن ننصرف إلى استخراج جواهره وبثها إلى الناس».

اخترت فى حديثى بيانًا للخطاب الذى أتمناه، بعضًا من الموضوعات الدالة على كمال وجمال وسماحة وحكمة وعدل الإسلام، والتى على الخطاب الدينى الصحيح أن يتغياها ويلفت الأنظار إليها.

اخترت الحديث عن مضمون معنى أنه «دين العالمين» من «رب العالمين» إلى الناس كافة، وأن القرآن المجيد هو روح الإسلام ومعجزته الممدودة إلى الدنيا إلى يوم الدين، وأن هذا الدين هو دين العقل والتفكير، لا الجمود ولا الانغلاق، وأن العلم هو روح الإسلام وحياة المسلمين، وكيف كان لهذا العلم أصداء فى الحضارة الإسلامية وما قدمته للحضارة الإنسانية، وأنه دين العمل والعاملين، وليس دين البطالة والباطلين القاعدين، وأن أنداءه وعطره فى منظومته الأخلاقية التى قامت فى كل شمائلها على «رعاية الآخر»، فهذا هو حال الأمانة والصدق والعدل والوفاء والحلم والإنصاف فى الكيل والميزان إلى آخر كل الأخلاق القرآنية، فإنه يجمع بينها عنايتها ورعايتها وبذلها للآخرين، فإليهم تتجه كل هذه الشمائل واعية وراعيةً ومنصفةً.



دار الإفتاء المصرية

 

الإسلام يا ناس

عاودت مثل هذا السعى فى كتابى «الإسلام يا ناس» (2013) فبدأته بفصول فى علم أصول الفقه وما يقتضيه من أصول وطرق البحث فى الأحكام واستخلاصها من أدلتها التفصيلية، ثم اخترت بعض الموضوعات التى جعلت المتجمدون يفتون فيها بغير علم ولا إحاطة، فتناولت قضية «ختان الإناث»، التى يجهل المتقولون المبادرات والفتاوى المتتابعة الصادرة من الأزهر الشريف ومجامعه ومن دار الإفتاء ــ للنهى عن هذه العادة السيئة، وبيان مضارها، ومنها وليس آخرها، الفتوى التى صدرت عن دار الإفتاء فى أكتوبر 2007، ونشرت بسلسلة الفتاوى الإسلامية ــ المجلد/ 39 ـ ص 76 وما بعدها، وقدمت ثلاثة مبادئ، أولها أن تحريم ختان الإناث فى هذا العصر هو الصواب الذى يتفق مع مقاصد الشرع، وثانيها أن ختان الإناث ليس فى أصله قضية دينية تعبدية، ولكن مرجعه إلى موروث العادات والتقاليد الاجتماعية، وثالثها أن المقرر شرعًا أنه لا ضرر ولا ضرار.

كان لازمًا أيضًا تجديدًا للخطاب، لفت الأنظار إلى ما أبداه الأزهر أكثر من مرة، من وجوب عدم الخلط بين الفن وبين الوثنية، وأن ما حرمه الإسلام هو الشرك بالله، وأن ما حُرِّمَ من أصنامٍ وأنصابٍ وأزلام، هو ما اتخذ سبيلاً للعبادة، وهو ما كان قد أبداه فضيلة الإمام الأكبر الشيخ جاد الحق على جاد الحق ــ شيخ الأزهر، وورد بكتاب الفتاوى الإسلامية ــ طبعة المجلس الأعلى ــ المجلد (10) ص 3455، وما أبداه الفقيه العالم المرحوم الأستاذ الدكتور رأفت عثمان بجلسة مجمع البحوث الإسلامية، من رد حكيم مؤيد بالحجج التى تنفى أن التماثيل الفنية المجردة فيها إشراك بالله أو مضاهاة لخلقه، والمناقشة المستنيرة التى دارت بجلسة مجمع البحوث الإسلامية فى الثالث من يونيو 2010، وتناولت بيان العديد من التماثيل المصرية الفنية التى لا علاقة لها بالشرك أو العبادة، وأن علة التحريم السابق كانت العبادة والتعظيم من دون الله.

الشيخ  جاد الحق علي جاد الحق

 

وليس صحيحًا ما تقوَّله البعض، من أن الأزهر قعد عن تناول الزواج بالصغيرات، وقد كان سندى الأكبر فى تناولى بالكتاب لهذه الآفة، ما صدر عن الأزهر ومجمع البحوث الإسلامية من شجب لهذه الرغائب، وقد تتابعت فتاوى وبيانات ومواقف الأزهر والمجمع فى النهى عن ذلك، مشيرا إلى ما نتج عن ذلك من قوانين لصالح الأطفال وتمنع جواز القاصرات.

ويشير إلى أن ما دفعه إلى هذه الإشارات السريعة، ما يكيله البعض من وقت إلى آخر للأزهر وعلماء الدين من اتهامات جائرة بالظلامية والجمود، دون أن يعرفوا ما سبق إليه العلم والإفتاء من سنين، من ذلك ما أوردته ــ تمثيلًا لا حصرًا ــ من فتوى الأستاذ الإمام محمد عبده وشيوخ المذاهب الأربعة قبل أكثر من مائة عام، وتحديدًا فى 5 مارس 1904، ردًّا على سؤال وارد من الهند، بشأن عدم جواز استخدام غير المسلمين؛ الأمر الذى دحضته فتوى الإمام وشيوخ المذاهب الأربعة، وصدرت به الفتوى مؤكدةً جواز ذلك الاستخدام من واقع الأدلة من الكتاب والسنة.

 ويختتم هذه الجزء من الكتاب بقوله «أردت فقط أن أدلل على أن الكلمة مسئولية، يجب علينا جميعًا أن نتحراها؛ وفاءً بحق المعرفة، وبحق الدين الذى طفق البعض يسىء إليه بغير علم ولا إحاطة، ولذلك حديث آخر».

 

اقرأ أيضا:

رجائى عطية ونقاش هادئ لتجديد الفكر والخطاب الدينى

رجائى عطية ونقاش هادئ لتجديد الفكر والخطاب الديني: مكانة المرأة لن تكون حصان طروادة لتشويه الإسلام



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك