دار الشروق تنشر «الأعوام» السيرة الذاتية لعميد الرواية.. البحث عن مذكرات نجيب محفوظ: الطفولة الضائعة - بوابة الشروق
السبت 5 أكتوبر 2024 7:33 م القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

دار الشروق تنشر «الأعوام» السيرة الذاتية لعميد الرواية.. البحث عن مذكرات نجيب محفوظ: الطفولة الضائعة


نشر في: الخميس 10 ديسمبر 2020 - 10:25 م | آخر تحديث: الخميس 10 ديسمبر 2020 - 10:26 م

ــ «الأعوام» نص استثنائى فى تجربة محفوظ.. هى المرة الأولى ــ وربما الأخيرة ــ التى يكتب فيه نصا صريحا عن حياته
ــ محمد شعير يقدم سردية كاملة لطفولة الأديب العالمى.. وكيف كانت طفولته؟ وكيف انعكست فى أعماله الأدبية؟
طفولة نجيب محفوظ هى محور كتاب «أعوام نجيب محفوظ: البدايات والنهايات» للناقد والكاتب الصحفى محمد شعير الذى يصدر خلال أيام عن دار الشروق. يضم الكتاب نصوصا غير منشورة لأديب نوبل أبرزها نص «الأعوام» الذى يعد سيرة ذاتية كتبها نجيب محفوظ مقلدا فيها عميد الأدب العربى طه حسين، وقد فقدها عميد الرواية لسنوات، وبعد رحلة بحث عثر عليها شعير ضمن أوراق أخرى عديدة خرجت من بيت محفوظ القديم. يمثل «الأعوام» نصا استثنائيا فى تجربة محفوظ هى المرة الأولى ــ وربما الأخيرة ــ التى يكتب فيه نصا صريحا عن حياته، سيرة ذاتية خالصة، تطل منها الذات بلا أقنعة، أو حيل فنية لإخفائها، وكثيرا ما استخدم محفوظ فى عمله الإبداعى وقائع من حياته، إلا أنها تصبح بمجرد دخولها إلى العمل الفنى وقائع فنية يصعب التعامل معها باعتبارها حقائق.
استثنائى أيضا، إذ يجمع دارسو السيرة الذاتية على أنها تأتى نتيجة بلوغ صاحبها سن النضج، حيث يستحضر الكاتب مسار حياته، وماضيه، وما جرى له. بينما لم يكن محفوظ قد تجاوز الثامنة عشرة وهو يكتب هذا النص، وقتها كان يغادر عوالم الطفولة، متأملا تلك السنوات القليلة فى عمره، ولم يكن مسلحا بحيل الفن الماكرة التى تحدث عنها فيما بعد فى ثلاثيته، لذا ينقل لنا عبر «الأعوام» نضارة نظرة الطفل تجاه العالم، وبراءته. بالنسبة إليه كل كائن وكل مشهد، وكل حدث، حتى وإن كان عاديا فهو مبعث دهشة، كمن، يبنى انطلاقا من أشياء تافهة، عالما من الخوارق.
انطلاقا، من أعوام محفوظ، الوثيقة الأكمل عن الطفل نجيب محفوظ، الكاشفة عن سنوات تشكل المفاهيم، وتشكل ملامح الوعى الأولى، يبنى محمد شعير سردية كاملة لطفولة أديب نوبل: كيف كانت طفولة محفوظ؟ وكيف انعكست فى أعماله الأدبية؟
حيث يصوغ محفوظ؛ بعد اكتمال الوعى، بعضا من حكايات «أعوامه» فى كثير من أعماله الروائية والقصصية، ينثرها إبداعا، فنجد تطابقا بين ما يكتبه فى «الأعوام» عن نفسه وبين الراوى فى «حكايات حارتنا»، وبينه وبين الطفل كمال عبدالجواد فى الثلاثية، وصولا إلى الشيخ عبدربه التائه فى «أصداء السيرة الذاتية» الذى يخوض تجارب عديدة بحثا عن طفولته الضائعة.
هنا فصل من كتاب «أعوام نجيب محفوظ: البدايات والنهايات».
ــ تحرير اللغة:
كان محفوظ قد تجاوز السبعين بثلاث سنوات. عندما بدأ كتابة «الأصداء» اكتمل مشروعه، لكنه لم يتوقف عن المغامرة، واستكشاف مناطق جديدة فى الإبداع. تكشف مسودات «الأصداء» أن معركة محفوظ داخل النص لم تكن مع البناء والشكل وحدهما، وإنما فتح له البناء الجديد إمكانية تحرير اللغة.
كانت اللغة أحد هواجس محفوظ الكبرى منذ أن بدأ الكتابة، نجده دائما مشغولا بها، يطيل التفكير فيها، ويعى متاعبه معها. كان يكرر أنه ينتمى إلى جيل «إذا كتب درجًا بدلا من قمطر فكأنه كفر». لذا كان الخروج على قدسية اللغة القاموسية معركة دائمة بالنسبة إليه. كان يبحث عن لغة قادرة على التعبير عن الحياة اليومية، مع عدم تخليها عن فصاحتها، أو عدم الوصول بها إلى درجة الابتذال. وكثيرا ما كان يسخر من قصصه الأولى.
يقول لجمال الغيطانى: «لو استعرضت القصص الأولى فستجد أشياء مضحكة، على سبيل المثال ربما تجد شخصية فى مقهى بلدى وتتحدث بأسلوب فصيح متقعر». ويقدم تفاصيل أكثر فى حوار معه:
«أكبر معركة خضتها كانت مع اللغة، فقد بدأت وأنا أظنها كما تعلمناها فى المدارس مجرد قوالب مقدسة نضعها على موضوع فتسير؛ لهذا تجدنى فى الروايات الفرعونية متأثرًا بأسلوب القرآن وتعبيراته وأنا أكتب عن الفراعنة.. وعندما بدأت أكتب الرواية الواقعية اصطدمت بالواقع.. وبطريقة لا شعورية وجدتنى أدخل فى معركة كيف أطور هذه اللغة لتلائم الموضوع.. وهى معركة طويلة. أعتقد أنه لم تخلُ رواية من رواياتى من التوفيق والفشل المتعاقبين فيها».
لغة «الأصداء» ذات طبيعة خاصة؛ لذا كانت معركته مضاعفة، لم يكن يبحث فقط عن تلك اللغة الثالثة، أو اللغة التى تصبح فقط أداة للتوصيل، بل كان يسعى إلى لغة إيحائية، مكثفة، تعتمد الإشارة والتلميح لا التعبير المباشر، وفى الوقت ذاته لغة تتميز بالشاعرية والالتباس كما فى لغة المتصوفة؛ حيث الألفاظ تحظى بالتعدد الدلالى، ولا تعنى دائما معناها المباشر.
تعرضت كل مقاطع الأصداء تقريبا لإعادة الكتابة مرات عديدة؛ بحثا عن ذلك الإيحاء، ما بين حذف وإضافة، وتقديم وتأخير، أو تغيير كامل سواء فى المتن أو العناوين. كان محفوظ يبحث عبر هذا التغيير ــ الذى يتضح بمراجعة مسودات العمل مع صورته النهائية ــ عن مزيد من الصفاء اللغوى، والتكثيف وتحريره من العامية التى كانت تتسرب فى المسودات الأولى للنص. كما كان محفوظ يسعى من وراء هذا التغيير إلى تخليص النص من الأحكام الأخلاقية أو للهروب من الحكمة المفتعلة التى لم يكن يريدها محفوظ فى نصه، بل كان على العكس تماما يسعى إلى السير عكس التيار.
***
من بين التغيرات العديدة التى طالت مقاطع الأصداء، سنجد المقطع الذى يحمل عنوان «ذكاء الجسد» منشورًا فى النص النهائى كالتالى:
«فوق السطح وقفا يتناجيان، هو أطول قامة وهى أجمل وجها، أما أنا فألعب بالطوق مرة ثم أراقبهما ولا أفهم. ويغيبان فى حجرة السطح قليلا ثم يرجعان فأعود إلى استراق النظر بمزيد من الحيرة. وجاء الإدراك متعثرا من خلال الأعوام الحامية».
وكان النص فى المسودة الأولى:
«فوق السطح وقفا يتناجيان، هو أطول قامة وهى أجمل وجها، أما أنا فألعب بالطوق مرة ثم أراقبهما ولا أفهم. ويغيبان فى حجرة السطح قليلا ثم يرجعان فأعود إلى مراقبتهما بمزيد من الحيرة. وبعد مضى عشرة أعوام جاد عليَّ جسدى بفهم ما استعصى عليَّ فهمه فى الزمان المنطوى».
يحيلنا هذا النص القصير إلى الثلاثية، لقاءات فهمى عبدالجواد مع مريم فوق سطح منزلهما. استغرق وصف المشهد فى «الثلاثية» خمس صفحات كاملة (الفصل العاشر فى بين القصرين).. لكن محفوظًا لم يحتج فى الأصداء إلا إلى أربعة أسطر فقط ليصف ما كان يجرى. وهذه ميزة أخرى من ميزات الأسلوب المتأخر.
لغويًّا يستبدل محفوظ فعل «يراقب» بـ«استراق النظر» وهو نفس الفعل الذى استخدمه فى الثلاثية ليصف به نظرات فهمى المختلسة إلى مريم، هو هنا لا يريد ــ فقط ــ أن يكرر فعل المراقبة فى فقرة قصيرة، ولكن أيضا لأنه يريد تأكيد تلك الرؤية الخفية المسروقة.
وما بعد الحيرة، يصل محفوظ إلى الإدراك، إدراك إلحاح الجسد وحاجاته، ولكنه إدراك متعثر، يحدث على مراحل لا مرحلة واحدة (بعد مضى عشر سنوات) كما كان فى الصورة الأولى للنص.
فى المسودة، يأتى تعليق عبدربه على هذا النص؛ ليستكمله أو يبدو وكأنه صداه:
«يقول الشيخ عبدربه التائه: صدق من قال إن العلم نور».
تبدو الجملة كأنها «كليشيه» جاهز، لكنها فى سياق المقطع لا تبدو كذلك؛ حيث يحتفى محفوظ بالجسد، بمعرفة احتياجاته. حذف محفوظ الجملة عندما قام بتغيير بناء النص، ولم ينقله إلى الجزء الخاص بعبدربه فى نهاية الكتاب كما فعل فى مقاطع أخرى، فلسنا فى حاجة إلى كليشيهات.
***
فى الأصداء إشارات متفرقة من محفوظ إلى شخصيات رواياته وأبطال أعماله القديمة، فإذا كان المقطع السابق يحيلنا إلى فهمى عبدالجواد ولقاءات السطوح مع حبيبته مريم، فإن المقطع التالى يذكرنا بأمينة ومبخرتها بعد خروج الزوج والأبناء للعمل والدراسة. لكن الرجل (السيد) فى المقطع القصير يقتصر خروجه إلى المقهى على التدخين وشرب القرفة، لا على اللهو والسمر مع الأصدقاء.. يكتب محفوظ فى مسودة النص:
«يا ربة البيت.. اصحى وصلى الفجر. جهزى الفطور لرجلك وأولادك، نظفى الأصغر ولبسيه وتجهمى له إذا ركن إلى الكسل. اكنسى ورتبى بيتك وسلى نفسك بترديد أغنية. سيجمعهم حظك السعيد مرة أخرى حول مائدة العشاء. ويذاكر الأولاد والبنات، ويذهب الرجل إلى المقهى ليشرب القرفة ويدخن الجوزة. اغتسلى وسرحى شعرك وغيرى ملابسك وبخرى ملابسك الداخلية. ويتبادل العائد معك نظرة، ثم يستلقى على ظهره فى ختام يوم سعيد».
لكنه يعود ليعدل هذا المقطع، ليصبح فى النص النهائى تحت عنوان «ربة البيت»:
«يا ربة البيت.. اصحى، صلى ثم ابسطى يديك بالدعاء. جهزى الفطور وادعى إلى المائدة رجلك وأولادك. عاونى الصغار على تنظيف أنفسهم وكشرى لمن يركن إلى الكسل. اكنسى بيتك ورتبيه وتسلى بترديد أغنية. سوف يجمعهم الحظ السعيد حول مائدة العشاء إذا سمح الدهر ويبقى الأولاد للمذاكرة. ويذهب الرجل إلى المقهى للسمر. اغتسلى ومشطى شعرك وغيرى ملابسك وبخرى غرفة النوم. قد شهد اليوم ما يستحق الشكر والحمد. تذكرى ذلك إذا جاء اليوم الذى يتفرق فيه الجميع كل إلى سكنه، واليوم الذى تجد هذه الذكريات من يتذكرها».
التغيرات هنا ليست فقط طلبا للكمال اللغوى، ولكن محفوظ يمد صدى ذكريات الأم الطيبة إلى المستقبل، إلى الأفق البعيد، لا يكتفى بتحويل الشذرة القصصية إلى مجرد أب يعود من ليالى السمر لينام، أو صغير يتكاسل عن الذهاب إلى المدرسة، أو حتى عن أم صابرة، بل يكتب عن الحسرة، وتفرق الجمع، وعن ذكريات فى طريقها إلى الضياع ويكتب أيضًا فى محبة الذكريات الباقية، أو ما سيشكل فى المستقبل تلك المواقف التى لا تنسى ونعيش عليها فيما بعد. فى هذه الحكاية لا إدانة للأب، حتى وإن كان حضوره شاحبا كما فى الأعوام، أو مدانا كما فى الثلاثية، لكن الشيخ فى الأصداء يصل بعد كل هذه الخبرات إلى درجة من التفاهم والتماثل مع الأب، أو الفهم له... بل ربما المصالحة معه!
***
مع تغيير بناء النص، قام محفوظ بنقل بعض الشذرات القصصية، إلى الجزء الخاص بعبدربه، وهو ما يستدعى تغييرا فى الراوى، وتغييرا فى اللغة مثل قصة «المشى فى الظلام». كانت فى المسودة:
«عرفت «فرج» فى طورين فى حياته الطويلة. عرفته فى شبابه محبًّا للعبادة، والمسجد، ويطرب لسماع القرآن. وفى عز كهولته، لا أدرى أى شيطان من الإنس ساقه إلى الخمارة. وأدمن الخمر متناسيا أهله وعمله ووطنه وصحبه السابقين. وكان يرجع إلى بيته فى آخر الليل، يترنح، ويترنم بأفحش الأغانى. وعجبت كيف لا يقع فى حفرة أو يرتطم بحجر مما ينتشر فى حارتنا. وحذرته مرة من ذلك فقال إنى أرجع يقودنى ملاك ويتبعنى ملاك ويشع من رأسى نور يحيل الليل نهارا».
مع تحول الراوى إلى «عبدربه» ينقى محفوظ نصه من أى أحكام أخلاقية، سيصبح البطل رجلا غير معروف الاسم، ولن يقوده شيطان من الإنس إلى الخمارة بل هو القدر؛ ليتناسى الأهل والوطن والعمل والأصحاب..يتحول كل هؤلاء إلى «ما لا يهم»، لن يكون غناؤه فاحشا، بل هى أغنيات الشباب، ولن يمتلك عبدربه سلطة النصح والتحذير أو حتى ينتظره التخويف من عقاب إلهى بأن يقع فى حفرة أو يرتطم بحجر، وإنما ستحرسه الملائكة، ويشع من رأسه نور يضىء المكان..وهكذا جاءت فى النص النهائى:
«قال الشيخ عبدربه التائه: عرفت الرجل فى طورين فى حياته الطويلة. عرفته فى شبابه محبًّا للعبادة، ملازما للمسجد، مأخوذا بسماع القرآن الكريم. وفى شيخوخته ساقه قدره إلى الخمارة، فأدمن الخمر متناسيا ما لا يهمه. وكان يرجع إلى بيته فى الهزيع الأخير من الليل، ثملا يترنح، ويغنى أغانى الشباب، خائضا الظلمة الحالكة. وحذره محبوه من المشى فى الظلام، فقال: حراس من الملائكة يحيطون بى، ويشع من رأسى نور يضىء المكان».
خمر «التائه» وحانته ــ هنا وطوال النص ــ تشبهان خمر ابن الفارض وحانته، هما دليل على الأزلية؛ الرمز الذى يكسر ضيق الزمان والمكان (كما يقول عبدالغنى النابلسى شارح ديوان ابن الفارض). هى ليست إثما، وإنما الإثم فى تركها. هى صفاء ولا ماء، ولطف ولا هواء، ونور ولا نار، وروح ولا جسم. سكر المتصوفة هو النشوة العارمة التى تفيض بها النفس من الامتلاء بالحب الإلهى، أو الدهشة التى تعترى الصوفى فتذهله عن كل شىء غير حضور المحبوب، هى الغيبة عن جميع الأعيان الكونية، تكسر طوق: قبل وبعد ومتى؛ ليتلذذ السكارى بنشوة التلاقى الروحى (2).
***
تغييرات محدودة أجراها محفوظ على المقطع المعنون: «بعد الخروج من السجن»..معظمها تغييرات لصقل اللغة، وجعلها أكثر سلاسة. فى القصة يحاول السجين أن يطلب من المسئول الكبير الذى يزور السجن أن يلتقيه بعد خروجه.
«ــ كل ما أتمناه أن تسمح لى باللقاء بعد الخروج من السجن.
فقال بصوت هادئ وهو يهم بالمسير:
ــ بعد الخروج من السجن!».
كان تعليق عبدربه على هذا المقطع فى المسودة:
«قال الشيخ عبدربه التائه: الله يديم دولة حسنك».
يبدو التعليق مرتبطا ارتباطا وثيقا بالقصة، لا معنى له خارجها، ولكن عندما يتغير البناء..ينقل محفوظ هذا التعليق، ولكنه يضعه فى سياق آخر.. تحت عنوان«عنوان»:
«قال الشيخ عبدربه التائه: أقترح تعليق لوحة فوق مدخل الكهف يكتب فيها: الله يديم دولة حسنك»..وأمام معنى هذه الجملة قد نقف عاجزين عن تفسيرها أو دلالاتها داخل النص...ولكن محفوظ يتعمد أن يترك مقاطع عديدة بلا تفسير؛ إذ إن كلام المجذوب عادة إما بصيرة سماوية، وإما لا معنى له على الإطلاق.
***
كما طال التغيير فى كثير من المقاطع العناوين ذاتها، فى المسودة الثانية يطالعنا هذا النص بعنوان «السيرة الذاتية»:
«أحببت أول ما أحببت وأنا طفل، ولهوت بزمنى حتى لاح الموت فى الأفق، وفى مطلع الشباب عرفت الحب الخالد الذى يخلفه الحبيب الفانى، وغرقت فى خضم الحياة، ورحل الحبيب، واحترقت الذكريات تحت شمس الظهيرة، وأرشدنى مرشد فى أعماقى إلى الطريق الذهبى المفروش بالمعاناة والمفضى إلى الأهداف المراوغة، فطورا يلوح السيد الكامل وطورا يتراءى الحبيب الراحل. وتبين لى أن بينى وبين الموت عتابا ولكننى مقضى عليَّ بالأمل».
التغيير الوحيد الذى طال هذا المقطع فى النص النهائى هو عنوانه، أصبح «ملخص التاريخ» بدلا من «السيرة الذاتية»، وكأن محفوظ يعمل على تخليص نصه مما قد يدل بشكل مباشر على كونه نصًّا ذاتيًّا، وهو ما فعله طوال النص. فقد حذف أيضا تعليق عبدربه التائه على هذا المقطع: «الوجود سيرتى الذاتية»؛ ربما للسبب ذاته الذى دفعه لتغيير عنوان النص، وربما أيضا لأن العبارة فلسفية وكان محفوظ يريد أن ينطق عبدربه بلسان الصوفى لا الفيلسوف.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك