على غرار الديكاميرون.. «أربعة عشر يوما» رواية جديدة يشارك فى كتابتها 36 أديبا من الولايات المتحدة وكندا - بوابة الشروق
السبت 21 سبتمبر 2024 12:37 ص القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

على غرار الديكاميرون.. «أربعة عشر يوما» رواية جديدة يشارك فى كتابتها 36 أديبا من الولايات المتحدة وكندا

كتبت ــ منى غنيم
نشر في: الجمعة 15 مارس 2024 - 7:08 م | آخر تحديث: الجمعة 15 مارس 2024 - 7:08 م

«الجارديان»: «الرواية تنقل روعة التجربة الإنسانية فى التعبير عن الشعور المشترك بالحزن والعزلة والخسارة خاصة عندما أصبحت مدينة نيويورك بؤرة لتفشى الوباء»..

«هل هنالك ثمة غناء عبر الأوقات المظلمة؟» هكذا تساءل الشاعر والكاتب والمخرج المسرحى الألمانى، برتولت بريخت، عبر قصائده التى تحمل عنوان «سفيندبورج»، وهو سؤال يدفعنا للتفكير فى أن الدافع لتعزية النفس خلال الأزمات إنما هو دافع إنسانى وغريزى بل ومفيد اجتماعيا؛ وقد تجلى ذلك فى استجابة العالم بأسره لتفشى جائحة (كوفيدــ19) خلال السنوات الأخيرة؛ فبرغم أن الوباء ــ والحجر الصحى المصاحب له ــ أديا إلى عزلة وانقسام البشر والتنافر الثقافى فيما بينهم، إلا أنه فى نفس الوقت جمع بينهم برباط الدعم والمؤازرة والوقوف ككيان واحد ضد الخطر المحدق فى وحدة إنسانية لم يعهدوها من قبل.

ومن هذا المنطلق، أعلنت نقابة المؤلفين الأمريكية عن طرح رواية تعاونية فى السادس من شهر فبراير الماضى تحمل عنوان «أربعة عشر يوما» وتدور أحداثها فى ولاية نيويورك فى فترة بداية الإغلاق الذى شهده العالم بسبب تفشى جائحة كورونا مع تخصيص عائداتها لدعم عملها الخيرى، وكشفت عن مشاركة 36 أديبا من العيار الثقيل من الولايات المتحدة وكندا فى كتابة تلك الرواية، ومن بينهم: مؤلف أدب الرعب آر.إل. شتاين، والمؤرخة الكندية إيما دونوجو، والروائى الأمريكى الأسمر إسماعيل ريد، والكاتب الأمريكى ديف إيجرز، والروائية الأمريكية سيليست إنج، على أن يقوم بتحريرها كل من الكاتبة الكندية الحائزة على البوكر مارجريت أتوود وكاتب السيناريو والصحفى الأمريكى دوجلاس بريستون.

وقالت النقابة إن الكتاب الجديد يعبر عن الأثر الكبير الذى يحدثه سرد القصص والتواصل الإنسانى فى تقديم الصبر والسلوان للبشر لاسيما فى عصر الأزمات، وتدور أحداث الرواية الجديدة على سطح أحد المبانى السكنية فى منطقة «مانهاتن» الأمريكية حيث يتجمع السكان بحلول وقت الشفق ويبدأون فى سرد الحكايات، وهنا تظهر روعة التجربة الإنسانية فى التعبير عن الشعور المشترك بالحزن والعزلة والخسارة؛ خاصة عندما تصبح مدينة نيويورك بؤرة لتفشى الوباء.

وعبر مقدمة الكتاب، يتضح أن كل شخصية تم إنشاؤها بواسطة كاتب مختلف، ويصبح سطح ذلك المبنى مسرحا مزدحما بالأحداث والاعترافات وتوارد الأفكار والخواطر، وقد تنوعت الموضوعات التى يناقشها أبطال الرواية لتشمل كل شىء؛ بدءا من قصص الأشباح والغرائبيات على غرار راهبة فى مستشفى كاثوليكى يمكنها التنبؤ بموعد الوفاة عندما يكون المرضى على وشك الموت، وقصص الحرب المختلفة، والأحداث المجتمعية القديمة والمعاصرة، وأيضا سرد لكيفية نجاة شكسبير من الطاعون الذى دمر لندن فى تسعينيات القرن السادس عشر.

وهناك أيضا قصة مميزة قامت بتأليفها الكاتبة ومؤلفة الأغانى الأمريكية، أليس راندال، والتى تدور أحداثها فى ولاية تكساس فى السبعينيات من القرن الماضى حول امرأة سمراء تهوى الموسيقى تقع فى غرام إحدى الشخصيات العامة والناجحة، حيث تغلف الموسيقى تلك القصة بطابع حزين وعذب يكشف الحقائق القاسية لذينك الزمان والمكان، نقلا عن صحيفة الجارديان البريطانية.

وتجرى أحداث الرواية على لسان الراوية الرئيسية وهى حارسة المبنى الأمريكية من أصول رومانية، ييسى، والتى تحاول الوصول إلى والدها المصاب بمرض الزهايمر والمحاصر فى دار لرعاية المسنين فى جزء آخر من المدينة، والتى يتضح خلال الأحداث أنها حريصة كل الحرص على تسجيل تلك التجمعات المسائية فوق السطح والممتدة حتى الصباح من خلال دفتر للملاحظات كان يخص حارس المبنى السابق كانت قد وجدت به بعض التفاصيل المفيدة للغاية حول السكان وأحوالهم وطبائعهم.

وتخلو الرواية الجديدة من نظام السرد التقليدى للروايات لكونها قائمة على نظام السرديات الفردية، وهذا يذكر القارئ على الفور برواية «الديكاميرون» الشهيرة وهى عبارة عن مجموعة من الروايات التى كتبها المؤلف الإيطالى جيوفانى بوكاتشيو فى القرن الرابع عشر تضم 100 حكاية مختلفة ترويها مجموعة مؤلفة من سبع شابات وثلاثة شبان احتموا داخل فيلا مهجورة خارج حدود فلورنسا هربا من تفشى الموت الأسود أو الطاعون الذى أصاب المدينة.

وقد تميزت «الديكاميرون» بكونها جامعة لمختلف أنماط السرد على لسان الشخصيات المتنوعة، وأيضا التعبير بقوة عن الأقليات ــ وهو الأمر الذى لم يكن رائجا وقتها ــ وقد تجلى ذلك خلال جلسة سرد القصص حيث سرعان ما أدان ممثلو مختلف الأقليات فى الندوة «بوكاتشيو» باعتباره كارها للمثليين، ومعاديا للمتحولين جنسيا، ونخبويا، ومعاديا للسامية، وعنصريا كذلك. وهنا تتجلى الفروق الشاسعة بين البشر بكامل عنفوانها؛ فالرقابة والمحظورات التى يمارسها شخص ما هى بمثابة «نمط حياة» بالنسبة لشخص آخر، وهنا تبرز أهمية الصراع من أجل الهوية، وهى الثيمة الأدبية الرئيسية فى تلك الرواية.

وبرغم تكرار قصص الأشباح والماورائيات عبر الرواية، فيمكن للقارئ بسهولة أن يستشعر أن شبح الحروب الثقافية والمجتمعية هو الذى يؤرق كتاب الرواية حقا، وقد رأينا ذلك رؤى العين فى المجتمعات المختلفة حيث أدى انتشار (كوفيدــ19) إلى تفاقم الصراع حول أحقية من يأخد اللقاح أولا، وكيفية تطبيق الإجراءات الاحترازية، والحجج الشرسة حول حرية التعبير تارة وتكميم الأفواه تارة، قد سلط ذلك الضوء ــ عن غير قصد ــ على تأثير فترة الإغلاق على الأدب: وكيف أصبح على نحو متزايد «أنانيا«؛ يتبع أهواء الكاتب فقط، مع إعطاء الخبرة الحية قيمة أكبر من رواية القصص الإبداعية.

وفى النهاية، وجب الذكر أن تمزق السرد لحكايات منفصلة ترويها كل شخصية بعينها إنما يمنحنا انعكاسا أكثر شمولية للعالم الممزق والمشتت الذى ساقنا الوباء إليه؛ حيث انزوى الخيال إلى ركن تاركا المجال لإحساس جديد وغريب على البشر؛ وهو العزلة المجتمعية.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك