تربع على قائمة أفضل الكتب مبيعًا على موقع أمازون خلال الأسبوع الماضى
فى عالم اليوم الذى يمتاز بالسرعة وسطوة التكنولوجيا، قد لا يكون أول ما نسمعه عند الاستيقاظ صباحًا هو زقزقة الطيور، بل الصوت الرتيب للغلاية الكهربية وهى تصل إلى درجة الغليان، ثم صوت «التك» الذى يصدر لحظة انقطاع الكهرباء عنها والناتج عن قرص معدنى صغير يتكون من شريحتين من معدنيتين مختلفتين يتمددان بمعدلات متفاوتة عند التعرض للحرارة، مما يؤدى إلى انحناء القرص وفصل التيار الكهربائى. معظمنا لا يعرف هذه التفاصيل، لأننا نهتم أكثر بالموضوعات اليومية سواء المادية أو الأدبية وليس المنظمات الحرارية، رغم أن الأخيرة تشكل جزءًا لا يتجزأ من إيقاع حياتنا اليومية.
وانطلاقًا من هذا المنظور الفريد، أصدر المهندس والبروفيسور البريطانى، تيم ميشنال، كتابه الجديد بعنوان «حياتك مصنعة» الذى تربع على قائمة أفضل الكتب مبيعًا على موقع أمازون هذا الأسبوع، والذى يعد بمثابة استكشاف لعالم الصناعة للمبهر من حولنا، حيث تناول الكتاب الأشياء التى تحيط بنا – من الترانزستورات وحتى الآيس كريم – كاشفًا الطرق المعقدة والمبتكرة التى تُصنع بها هذه المنتجات، ثم كيف تنتقل حول العالم لتصل إلينا.
وأوضح «مينشال» أن التصنيع أصبح مجالًا مهمشًا ومُستهانًا به، وهو ما قد يؤدى إلى عواقب وخيمة؛ حيث قال: «لقد أصبح التصنيع مثل نظام الصرف الصحى: ضروريًا لحياتنا، لكنه لا يخطر ببالنا إلا عندما يحدث خلل ما»، نقلًا عن صحيفة الجارديان البريطانية.
وامتاز «مينشال» بخلفية تجمع بين البحث الأكاديمى والخبرة العملية؛ فهو أستاذ فى جامعة كامبريدج حاصل على دكتوراه فى الهندسة، كما يرأس معهد التصنيع التابع للجامعة، والذى يقدم استشارات للقطاع الخاص (وتعود أرباحه للجامعة)، مما مكنه من الانتقال بسلاسة بين عوالم العلماء والمبرمجين والمهندسين، وأيضًا تبسيط المفاهيم لغير المتخصصين، مما جعل كتابته تنبض بروح الحرفى الشغوف بصنعته.
ودعا «مينشال» القارئ إلى الغوص فى «قلب» عالم التصنيع، متتبعًا خطوط الإنتاج من مصانع جزيرة مان ــ وهى جزيرة صناعية فى البحر الأيرلندى ــ إلى المصانع العملاقة فى الصين، وملقيًا الضوء على عالم الخدمات اللوجستية الذى يحدد كيفية وصول هذه المنتجات إلينا (أو عدم وصولها، كما حدث عند تعطل قناة السويس عام 2021 حين توقفت الحركة الملاحة البحرية فى قناة السويس المصرية بسبب حادثة جنوح سفينة الحاويات «إيفرجيفن» فى 23 مارس 2021، بعد أن واجهت السفينة عاصفة قوية تسبتت فى فقدان السيطرة على السفينة وانحراف هيكلها وباتت محصورة بين جانبى القناة مما تسبب فى انسداد القناة وتوقف حركة الملاحة البحرية).
كما كشف لنا الكتاب عن منظومة ضخمة ومعقدة أحيانًا حتى على العاملين فى مجال الصناعة أنفسهم، وطرح الكتاب دعوة لإعادة التصنيع المحلى بطرق أكثر مراعاة للبيئة، لكنه لم يغوص فى تفاصيل السياسات المطلوبة لتحقيق ذلك.
وواجه الكتاب تحديًا أدبيًا فى نقل رهبة وتعقيد عالم التصنيع إلى القارئ، وهو ما نجح فيه البعض بصريًا، مثل المصور الكندى إدوارد بيرتينسكى الذى التقط صورًا مذهلة لمواقع الإنتاج فى الصين، وربما لهذا قام «مينشال» بدعوة القراء لزيارة موقعه الإلكترونى لمشاهدة صور ومقاطع فيديو من شأنها توضيح أجزاء من الكتاب الذى تحتاج العديد من فقراته إلى رسوم توضيحية لإيصال الرسالة.
كما سلط الكتاب الضوء على الأشياء المحيطة بنا فى حياتنا اليومية ــ مثل الغلاية، الدراجة، أو حتى ورق التواليت ــ مما يجعلنا نعيد النظر فى تفاصيل حياتنا اليومية، ونقدّر الإبداع الذى تجسده هذه الأشياء العادية والمجهود المضنى الذى يبذله المصنعون من أجل أن نحظى بهذه الأشياء فى بيوتنا.
وأشار «مينشال» إلى أن كلمة «تصنيع ــ manufacturing» مشتقة من الكلمتين اللاتينيتين manus (يد) وfactura (شىء مصنوع)، وظهرت فى الإنجليزية فى القرن السادس عشر، ربما بسبب الحاجة إلى تمييز وسائل الإنتاج فى عصر الآلات، ويبدو أن هذا التحول من الحرف اليدوية إلى الآلات قد اكتمل تقريبًا؛ حيث أصبحت الشخصيات الرئيسية فى عالم التصنيع اليوم هى مراكز البيانات، والذكاء الاصطناعى، والروبوتات، والآلات التى تتحكم فيها آلات أخرى، وأصبحت الأيدى البشرية تظهر بشكل عابر فقط، لكنها تظل ضرورية، فمعظم أعمال الخياطة فى صناعة الملابس لا تزال تُنجز يدويًا.
وفى الختام، قال «مينشال» إنه يأمل أن يساعد كشفه عن تعقيدات عالم التصنيع والخدمات اللوجستية فى جعلنا نفكر مرتين قبل الشراء العشوائى عبر الإنترنت، لكنه اعترف بأن الأمر قد يشبه تحذيرات علب السجائر: نرى الصور المروعة، لكننا نواصل الشراء.
ومع ذلك، فقد أكد على ضرورة خلق صلة عاطفية بيننا وبين الأشياء التى نستهلكها، لتقليص المسافة بين المنزل والمصنع، وأيضًا لتذكيرنا بالشوط الكبير الذى قطعناه فى الحضارة الإنسانية وتسخيرنا كوكب الأرض بأكمله فى خدمتنا.