الآثار المترتبة على سياسات ترامب للطاقة - صحافة عربية - بوابة الشروق
السبت 4 يناير 2025 12:48 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الآثار المترتبة على سياسات ترامب للطاقة

نشر فى : الأربعاء 1 يناير 2025 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأربعاء 1 يناير 2025 - 8:05 م

يتسلم دونالد ترامب ولايته الرئاسية الثانية فى نهاية شهر يناير الجارى، مع برامج معلنة تكرارًا عن سياساته لقطاع الطاقة الأمريكى. ونظرًا لأهمية الدور الأمريكى على ساحة الطاقة العالمية، فمن المتوقع أن تؤثر سياسات الطاقة المتوقعة هذه على الشرق الأوسط، وسياسات الطاقة العالمية.

 


انضمت الولايات المتحدة إلى مجموعة الدول الكبرى الثلاث المنتجة للنفط الخام، السعودية وروسيا، بطاقة إنتاجية لكل منها تزيد على 12 مليون برميل يوميًا، حيث بدأت الولايات المتحدة الارتفاع العالى فى طاقتها الإنتاجية منذ منتصف العقد الماضى (2014-2015) مع الارتفاع العالى لإنتاج النفط الصخرى. وقد ارتفعت الاحتياطات الغازية للولايات المتحدة أيضا فى نفس الفترة، مع الإنتاج الضخم للغاز الصخرى، حيث انضمت إلى مجموعة الدول الغازية الكبرى عالميًا، روسيا وقطر وإيران. وكانت إحدى نتائج هذا الارتفاع الإنتاجى النفطى فى حينه، انهيار أسعار النفط، ومن ثم التفاهم السعودى-الروسى النفطى، الذى أدى إلى تأسيس مجموعة «أوبك بلس» المتكونة من أعضاء منظمة «أوبك»، وأقطار منتجة من خارج عضوية المنظمة، ولعبت «أوبك بلس» المتكونة من أكثر من 20 دولة نفطية دورًا مهمًا فى استقرار الأسواق منذ حينه.
أدت هذه التحولات قبل عقد من الزمن تقريبا أيضا إلى تغييرات كبرى على صعيد ساحة الطاقة العالمية. فبدلا من أن تستمر الولايات المتحدة كدولة مستوردة للنفط الخام والمنتجات البترولية، أصبحت الولايات المتحدة، من أكبر الدول المنتجة للنفط خارج مجموعة «أوبك بلس»، بالإضافة إلى تحولها لدولة مصدرة للنفط الخام. والوضع نفسه بالنسبة للغاز المسال.
إلى جانب هذا وذاك، تحاول الولايات المتحدة أن تلعب دورًا مهمًا فى إنتاج واستهلاك الطاقات المستدامة. لكن سياساتها الإنتاجية وحتى الاستهلاكية فى هذا المجال تراوحت كثيرًا بين الإيجابيات والسلبيات نظرًا للاختلافات فى وجهات النظر ما بين الحزبين الأمريكيين. وقد لعب دونالد ترامب دورًا كبيرًا فى هذه الاختلافات السياسية ما بين الحزبين الرئيسيين. كما أدى تناقض سياسته مع الرئيس الأسبق باراك أوباما إلى سحب عضوية بلاده من «اتفاقية باريس لمكافحة تغير المناخ لعام 2015»، التى تشكل الاتفاق الأساسى العالمى لتصفير الانبعاثات الكربونية بحلول منتصف القرن. إذ يعتبر الرئيس ترامب أن التحول إلى الطاقات المستدامة هو أمر مناقض ومضر لسياسته «أمريكا أولًا». بمعنى أنها سياسة مضرة للاقتصاد الأمريكى.
أطلق ترامب عشرات الوعود فى حملته الانتخابية الرئاسية الأخيرة حول سياساته للطاقة للسنوات الأربع المقبلة، فى حال فوزه. وكما هو متوقع، ناقض ترامب معظم سياسات الطاقة التى تبناها الرئيس جو بايدن. وقد أشارت نتائج الانتخابات الأخيرة إلى فوز ساحق للجمهوريين فى الرئاسة ومجلسى الشيوخ والنواب. ما سيوفر الإمكانية للرئيس ترامب لنجاح مشاريع القوانين التى سيطرحها على الكونجرس.
فالنجاح الجمهورى فى البيت الأبيض ومجلسى الكونجرس، حيث أغلبية قوى يمينية متطرفة ذات برامج، يمكن تلخيصها بـ«العودة للسياسات السابقة». هذا يعنى عمليًا، العودة إلى الاستكشاف والتنقيب عن النفط والغاز، لكن هذه المرة إعطاء الأولوية فى الولايات المتحدة للنفط الصخرى وتهميش تطوير صناعات الطاقات المستدامة (الشمسية والرياح)، بل حتى احتمال الانسحاب ثانية من «اتفاقية باريس لمكافحة تغير المناخ لعام 2015»، كما صرح ترامب أثناء حملته الانتخابية.
معنى هذا، فعلًا، هو تبنى سياسة زيادة الطاقة الإنتاجية البترولية الأمريكية، ما سيزود الولايات المتحدة بإمكانية زيادة دورها فى أسواق النفط العالمية، كما سيمكنها من زيادة صادراتها للغاز المسال، بالذات للأقطار الأوروبية التى قاطعت إمدادات الغاز الروسى الضخمة، بسبب حرب أوكرانيا.
وستساعد سياسة ترامب فى ارتفاع كبير فى قيمة أسهم شركات النفط الصخرى، وهذا أمر يشجعه أصحاب الملايين الذين يشكلون المجموعة الأكبر فى فريق ترامب.
إن المهم فى الأمر هو أن سياسات ترامب ستترك آثارًا سلبية نتيجة تهميش الطاقات المستدامة، بالذات فى تأخير أو تقليص برامج تصفير الانبعاثات بحلول منتصف القرن. إذ إن تقليص مساهمات واشنطن المالية لدول الجنوب وحتى للأبحاث الأمريكية فى مجال الطاقات المستدامة سيؤدى حتمًا إلى عرقلة برامج تصفير الانبعاثات. وذلك للدور الريادى الذى كان معولًا عليه من بقية الدول الصناعية. فتقليص الدور الأمريكى الآن سيزيد الأعباء على بقية أقطار العالم، والتى تشكو حتى قبل تهميش الدور الأمريكى، من صعوبة المهمة فى إنفاق تريليونات الدولارات على الأبحاث العلمية لتطوير صناعات «التقاط، وتخزين، وتدوير الكربون»، ناهينا عن تقليص تكاليف تشييد طاقتى الرياح والشمسية.
المدهش فى تصريحات ترامب أثناء الحملة الانتخابية، هو تكراره دعم هذه السياسات وإصراره على تشريع عشرات القوانين خلال اليوم الأول لانتقاله إلى البيت الأبيض رسميًا (20 يناير 2025). هناك عشرات التشريعات التى ينوى الرئيس ترامب تمريرها فى اليوم الأول لعهده. وهذا أمر صعب للغاية، إن لم يكن مستحيلًا فعليًا. فحسب النظام الأمريكى، يتوجب على الرئيس تحويل مشاريع القوانين إلى مجلسى الكونجرس للتداول والتصويت عليها خلال أسابيع أو أشهر.
لكن، فى نفس الوقت، يستطيع الرئيس التشريع من خلال التوقيع على «أوامر تنفيذية» يوقع عليها فى نفس يوم إقرارها من قبله، حيث تصبح بموازاة القوانين. وهذا ما سيحاول عمله فعلًا، لتمرير قوانين الطاقة، وعشرات غيرها بخصوص مواجهة الهجرة غير الشرعية للولايات المتحدة، التى شكلت أولوية للحزب الجمهورى فى الحملة الانتخابية.
تكمن أهمية «الأوامر التنفيذية» فى مجال الطاقة، وفى هذه المرحلة بالذات، فى موافقة الرئيس ترامب السريعة على الموافقة لشركات النفط بالاستكشاف والتنقيب عن النفط فى أراضى «الحكومة الفيدرالية»، هذه الأراضى ذات المساحات الضخمة جدا، التى تَعتبر كثيرا منها «محميات» للطبيعة والحيوانات والنباتات. ونظرا لهذه الميزات البيئية للمحميات، فقد منعت الحكومات الأمريكية السابقة شركات النفط من الحفر فيها.
أدت تصريحات ترامب حول المضى قدمًا مع شركات النفط المتحفزة للحفر فى المحميات، إلى ردود فعل معارضة من حركات البيئة. من غير الواضح ما يمكن لهذه الحركات القيام به الآن سوى اللجوء للمحاكم الأمريكية لمحاولة عرقلة هذا البرنامج. تقع الأغلبية الساحقة لهذه المحميات فى ولاية ألاسكا، على مشارف القطب الشمالى.
سيترك الرئيس ترامب، فى حال التنفيذ الواسع لسياساته الطاقوية، آثارًا مهمة على صعيد الطاقة العالمى. من أهمها، تأجيل تنفيذ «اتفاقية باريس لعام 2015»، ومن ثم تأجيل تصفير الانبعاثات بحلول منتصف القرن.


وليد خدورى

خبير اقتصادى من العراق
الشرق الأوسط اللندنية

التعليقات