من دروس الربيع العربى: الهرولة نحو السوبر ماركت - علاء عبدالعزيز - بوابة الشروق
الأربعاء 25 سبتمبر 2024 9:22 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

من دروس الربيع العربى: الهرولة نحو السوبر ماركت

نشر فى : الأربعاء 1 فبراير 2012 - 9:00 ص | آخر تحديث : الأربعاء 1 فبراير 2012 - 9:00 ص

يروى الأكاديمى التونسى المرموق المولدى الأحمر أنه فى أعقاب حل التجمع الدستورى الديمقراطى (حزب الرئيس السابق بن على) ومنح الترخيص القانونى لحزب النهضة (بفاصل زمنى لا يتعدى ثلاثة أسابيع بين القرارين)، اجتمع قادة هذا الحزب وقال أحدهم لزعيمه التاريخى راشد الغنوشى: «ها هم قد أغلقوا كارفور ومنحونا رخصة عطرية (محل بقالة)».

 

والحاصل أن هذا السياسى المخضرم كان يرنو إلى تنبيه رفاقه مبكرا إلى ثلاثة أمور:

 

أولها: أن التجمع الدستورى كغيره من الأحزاب المتغولة فى كافة النظم السلطوية ـ  تحول عبر السنين إلى بنية اخطبوطية متغلغلة ومتداخلة فى مؤسسات الدولة (الأمن والقضاء والمحليات) والتراكيب الاجتماعية (القبائل والعشائر والعصبيات) وآليات التعبئة والتنشئة (الاعلام والتعليم) فضلا عن التشكيلات النقابية (المهنية والعمالية). على نحو جعل التجمع أشبه بالسوبر ماركت شديد الضخامة الذى يدخله المرء باحثا عن سلعة ما ويخرج منه وقد نسى ما جاء من أجله، وما إن يصل بيته حتى يكتشف أنه اشترى ما قصد المتجر إلى ترويجه لا ما ذهب هو من أجل شرائه.

 

وثانيها: أن حركة النهضة بكل إرثها النضالى الذى تمتد جذوره إلى ستينيات القرن الفائت، وبجاذبية خطابها المستند إلى مرجعية إسلامية جامعة، اذا ما قورنت بتلك البنية الاخطبوطية للتجمع الدستورى الديمقراطى، لا تعدو أن تكون مجرد عطرية محدودة فى مساحتها، فقيرة فى بضاعتها، قليلة الحظ فى عدد زبائنها.

 

وثالثها: أنه اذا ما كانت «النهضة» طامحة بالتعبير القرآنى إلى استبدال ما هو أدنى (السوبر ماركت) بالذى هو خير (العطرية)، فإن لذلك متطلبين لا يغنى أحدهما عن الآخر، اجتذاب الكتلة التصويتية للتجمع من جانب، والاستيلاء على إرثه فى مؤسسات الدولة وآليات التنشئة السياسية والبنى الاجتماعية والنقابية من جانب ثان.

 

●●●●

 

فمن ناحية، بدا للسياسى المخضرم أن على «النهضة» أن تنهل بنهم من المخزون البشرى للتجمع الدستورى الذى استطاع عبر عقود تشكيل كتلة تصويت ومؤازرة قيل أن حجمها تجاوز خمس تعداد سكان البلاد (لا ينفى هذا عمليات التزوير التى كانت تجرى لضمان أغلبية مريحة للتجمع، كما لا ينفى أن أغلب أعضاء تلك الكتلة التصويتية انضم اليها لاعتبارات تتعلق بالمنفعة المباشرة أكثر مما تتصل بالاتفاق مع الاطروحات الفكرية والبرامجية للتجمع ولا سيما خلال العقدين الأخيرين).

 

وعلى هذا النحو كان منتسبو التجمع الدستورى وشراذمه هدفا رئيسيا لحملة «النهضة» الانتخابية، فتبنت من أجل اجتذابهم خطابا يبتعد عن النهج الاستئصالى الذى رفع اليسار التونسى لواءه، كما لم تشهد الحملة تركيزا على سجالات الهوية خوفا من استثارة القطاعات العلمانية فى صفوف التجمع، وصولا إلى تجنب مخاطبة المجتمع وفق بنيته الطبقية حرصا على استرضاء دوائر التجمع الدستورى التى أثرت جراء سنوات ممارسة السلطة أو الدوران فى فلكها.

 

ومن ناحية أخرى لم تخف «النهضة» أن رفعها لواء تطهير وإعادة هيكلة مؤسسات الدولة (فى الاعلام والأمن كما فى التعليم والقضاء) كان عماده تطعيم تلك المؤسسات بكوادر «نهضوية» قادرة على صياغة وتنفيذ خطط التطهير، ويتواكب ذلك مع حرب مواقع تخوضها «النهضة» مع القوى السياسية الأخرى للسيطرة على أغلب مقاعد النقابات المهنية والعمالية الرئيسية منها والجهوية والمستقلة.

 

●●●●

 

والحاصل أنه ليس من قبيل سوء الظن أن يحاول المرء تحليل انتخابات مجلس الشعب الأخيرة فى مصر، وما سيتلوها من محاولات الأكثرية النيابية لاعادة هيكلة بعض مؤسسات الدولة، وفى الذهن سؤال مشروع: هل تقتصر ذهنية الهرولة إلى السوبر ماركت على الحالة التونسية؟ لا أظن.

التعليقات